الصفحة الرئيسية ||فهرس كتاب عمرو خالد في ميزان الشريعة || فهرس الكتب

الرد على ناصر الالباني

                                                                                                                                                                                          
 

الفصل الثامن عشر يمنع الألباني الزيادة على إحدى عشرة ركعة في صلاة قيام رمضان (1)




ادعى الألباني في الاستدلال على ما ذهب إليه في المنع من الزيادة على إحدى عشر ركعة في قيام الليل من رمضان أن ‏‏" رسول الله صلى الله عليه و سلم عاش عشرين سنة و هو لا يزيد في رمضان و لا غيره عن إحدى عشر ركعة"(2). ‏

الرد: لم يحلام أحد من السلف و الخلف الزيادة في قيام رمضان على إحدى عشر ركعة، و أول من حرم ذلك هو ‏اللباني فبذلك يكون قد ضلل المسلمين حتى طائفته الوهابية فإنهم يصلون ثلاثًا و عشرين ركعة في الحجاز و الحرمين ‏الشريفين، فأنت يا ألباني شذذت عن الأمة و من شذَّ شذَّ في النار، و يكفي في الرد عليه حديث البخاري (3):" ‏صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى".‏

و نورد هنا ما ذكره شيخنا العلامة المحدث عبد الله‏


الهرري في إيضاح بطلان ما ادعاه الألباني و نص عبارته: " أبعد ناصر الدين الألباني في القول في الدين بغير دليل ‏فحرم قيام رمضان بأكثر من إحدى عشر ركعة و احتجَّ لذلك بقول عائشة:" ما كان يزيد في رمضان و لا في غيره ‏على إحدى عشرة ركعة" رواه البخاري (4)، و ليس فيخ حجة له لأن كلام عائشة هذا محمول على أن ذلك بحسب ‏ما رأته لأنه صح حديث أبي هريرة عن النبي:" لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، و لكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو ‏بتسعٍ أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك" رواه ابن حبان و ابن المنذر و الحاكم و البيهقي من طريق عراكٍ عن أبي ‏هريرة (5).‏

و مما يرد على الألباني ما شاع و تواتر في عصر السلف أن أهل المدينة كانوا يقومون بستٍّ و ثلاثين و كان أهل مكة ‏يقومون بثلاث و عشرين و كانوا يطوفون بين كل أربع ركعات فأراد أهل المدينة أن يعوِّضوا عن الطواف الذي زاده ‏أهل مكة أربع ركعات و لم يُنكَر عليهم ذلك بتحريم ما فعله الفريقان، و عملهم هذا مستند لما فهمه من الحديث
الصحيح: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما صلى" (6).‏

و مما ينقض كلامه ما رواه الخلعيُّ من حديث علي ـن النبي صلى في الليل ست عشرة ركعة قال الحافظ العراقي: ‏إسناده جيد.‏
و يرد عليه أيضًا ما رواه البخاري (7) من حديث عبد الله ابن عمر عن النبي أنه قال:" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا ‏خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة " فإن فيه دليلاً صريحًا على جواز قيام رمضان بأقل من إحدى عشرة ركعة و ‏بأكثر منها بلا تحديد و ذلك حجة لما قاله الشافعي:" لا حدَّ لعدد ركعات قيام رمضان و ما كان أطول قيامًا أحبُّ ‏إليَّ" نقل ذلك عنه الحافظ أبو زرعة العراقي في شرح التقريب (8) و نقله غيره عنه. و قد كان اللباني و جماعته ‏أحدثوا بلابل بين المسلمين بنفيهم جواز قيام رمضان إلا بإحدى عشرة ركعة في الشام و غيره.‏



ثم هو افتَاتَ على اهل الحديث فقال في رواية:" إن عمر جمع الناس على قيام رمضان فكانوا يصلون ثلاثًا و عشرين ‏ركعة" (9) قال: إن هذه الرواية ضعيفة و الصحيحة رواية إحدى عشرة، فشذَّ بذلك و خالف قاعدة المحدثين أن ‏التصحيح و التضعيف للحفاظ فقط، و هو يعرف من نفسه أنه ليس بمرتبة الحفظ و لا يقاربها و قد اعترف بذلك في ‏بعض مقالاته، و هذه القاعدة إن لم يكن يعرفها فليعرفها الأن فقد ذكر السيوطي في تدريب الراوي و غيرُه، و قال ‏في ألفيته:‏
و خذه حيث حافظ عليه نص أو من مضنَّف بجمعه يُخص

و شرح هذا البيت كما هو مذكور في شرحه على ألفيته أن الصحيح يعرف بتصحيح حافظ من الحفاظ أو بوجودخ ‏في كتاب التزم مؤلفه الحافظ الاقتصار على الصحيح.‏

و هذه الرواية لم يطعن في صحتها حافظ بل رجَّح الحافظ ابن عبد البر رواية " ثلاث و عشرين " على رواية " إحدى ‏عشرة " بل اعتبرها وهمًا، و ابن عبد البر معدود في الحفاظ، فليس تضعيف الألباني رواية ثلاث و عشرين إلا ‏كناموسة نفخت على جبل لتزيحه.‏



فمن عرف هذه الحقيقة عرف أن مؤلفات الألباني مدخولة لا يجوز الاعتماد عليها فلا عبرة بتأليفه الذي سماه ‏الصحيحة و تأليفه الذي سماه الضعيفة، فليحذر المسلمون، و هذه نصيحة أسديناها للمسلمين فلا يكونوا أسراء ‏التقليد الفاسد.‏

و ليعلم ذلك أيضًا من تبعه من أتباعه ممن كتبوا على بعض المؤلفات و قلدوه تقليدًا أعمى كحمدي السلفي، و قد ‏تتابع على ذلك اقتداء به بعض من ليس من أتباعه فليتقوا الله و ليعملوا بقول أهل الحديث: التصحيح و التضعيف من ‏خصائص الحفاظ، و هذا نشأ من قصورهم عن فهم علم الحديث درايةً كما ينبغي، لأن شرط الصحيح و الحسن ‏السلامة من الشذوذ و العلة، و معرفة ذلك استقلالا لا يقوم به إلا الحافظ لأن مبنى ذلك على تتبع الطرق.‏

تكملة: ما شاع في بعض كتب الشافعية أن التراويح لا تصح إلا ركعتين ركعتين إلى ثلاث و عشرين لا يجوز حمل ‏هذا الكلام على مطلق قيام رمضان لأن اسم صلاة التراويح لم يرد منصوصًا عليه إنما هو عُرفٌ طارىء حتى صارت ‏كلمة التراويح عبارة عن ثلاث و عشرين على هذا الوجه أن تكون ركعتين ركعتين ثم ثلاث ركعات الوتر موصولةً ‏أو مفصولةً، و قصد أولئك أن من ينوي التراويح فلا يجزئه إلا هذه الكيفية، و لا يقصدون أنه لو لم يقصد التراويح ‏بل قصد قيام رمضان لا يصح قيامه إلا بثلاث و عشرين و هذا محمل كلامهم، و أما حقيقة الأمر فهو الرجوع إلى ‏حديث: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بركعة " و معناه: أن الأفضل في كيفية صلاة ‏الليل أن تكون ركعتين ركعتين، و ليس المراد حصرَ الجواز في هذه الكيفية، لأنه ثبت في الصحيح أن عائشة قالت في ‏بيان صلاته صلى الله عليه و سلم:" يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن ‏حسنهن و طولهن ثم يصلي ثلاثًا " رواه البخاري (10). هذه عظة و عبرة لمن يعتبر، كم من أناس اليوم يصححون و ‏يضعفون و هم بعيدون من استئهال ذلك بُعد الآرض من السماء، لأن مريتة الحفظ بعيدة المنال منهم و هي عند أهل ‏الحديث: أن يستحضر المحدث أغلب المتون و أغلب الرواة في ذهنه من حيث معرفة اساميهم و أحوالهم، فليزنوا بهذا ‏الميزان حتى يعرفوا أنهم بعيدون منه ذلك البعد.‏

و حديث:" صلاة الليل مثنى مثنى " أقوى من حديث عائشة المذكور إسنادًا و شهرة.‏


‏ ‏

و مما يردُّ دعوى و زعم الألباني أن الرسول ما كان يزيد من إحدى عشرة ركعة ما رواه ابن حبان في صحيحه من ‏روايات عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالليل فقال: " عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ‏من الليل تسع ركعات" (11).‏

و روى أيضًا عن أبي سلمة، قال: أخبرتني عائشة قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثمان ‏ركعات و يوتر بواحدة ثم يركع ركعتين و هو جالس" (12).‏
و روى أيضًا عن مسروق أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة الرسول صلى الله عليه و سلم بالليل فقالت:" كان ‏يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه كان صلى إحدى عشرة ركعة ترك ركعتين، ثم قُبِض صلى الله عليه و سلم ‏حين قُبض و هو يصلي من الليل تسع ركعات ءاخر صلاته من الليل و الوتر، ثم ربما جاء إلى فراشي هذا فيأتيه بلال ‏فيؤذنِه بالصلاة" (13).‏

و روى ابن حبان أيضًا عن ابن عباس أنه قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة و رسول الله صلى الله عليه و سلم عندها تلك ‏الليلة فتوضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قام يصلي ركعتين فقمت عن يساره


فأخذني فجعلني عن يمينه فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة، ثم نام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نفخ و ‏كان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج و صلى و لم يتوضأ، قال عمرو: حدثت بهذا بكير ابن الأشج فقال: حدثني ‏كريب بذلك"(14).‏

و روى ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فقام النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل قال: فقمت فتوضأت ثم ‏قمت عن يساره فجرني حتى أقامني عن يمينه، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة قيامه فيهن سواء"(15).‏

و روى عن الحسن بن سعد بن هشام أنه سأل عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم باليل فقالت:" كان ‏رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى العشاء تجوَّز بركعتين ثم ينام و عند رأسه طَهوره و سواكه فيقوم فيتسوك و ‏يتوضأ و يصلي و يتجوَّز بركعتين، ثم يقوم فيصلي ثمان ركعات يسوي بينهن في القراءة ثم يوتر بالتاسعة، و يصلي ‏ركعتين و هو جالس، فلما أسنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذه اللحم (16) جعل الثمان ستًا و يوتر ‏بالسابعة و يصلي ركعتين




و هو جالس يقرأ فيهما:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [ سورة الكافرون ] و { إِذَا زُلْزِلَتِ (1)} [ سورة الزلزلة ] ‏أبو حرة اسمه واصل بن عبد الرحمن" (17).‏

و معنى:" و يصلي ركعتين و هو جالس " أي ركعتي الفجر و ليستا من قيام الليل لأن الرسول كان يجعل ءاخر ‏صلاته بلليل وترًا فلا يصلي بعد ذلك إلا ركعتي الفجر أي سنة الصبح.‏

و روى مسلم و غيره (18) عن ابن عباس قال:" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ‏ركعة"، و روى البخاري (19) عن ابن عباس أيضًا قال:" كانت صلاة النبي صلى الله عليه و سلم ثلاث عشرة ‏ركعة- يعني بالليل-".‏
و في هذه الروايات دليل على أن ما رواه البخاري عن عائشة من أنه ما كان يزيد في رمضان و غيره في صلاة الليل ‏على إحدى عشرة ركعة محمول على أنها رأت ذلك

‏(17)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/141).‏
‏(18)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المسافرين: باب صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و دعائه بالليل، و ابن ‏المنذر في الأوسط (5/157)، و ابن خزيمة في صحيحه (2/191).‏
‏(19)- أخرجه البخاري في صحيحه: أبواب تقصير الصلاة: باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و كم ‏كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل.‏


منه أولاً ثم رأت منه ما يخالف ذلك، و لا يؤخذ من رواية البخاري أنه لم يصل قطّ أكثر من إحدى عشرة ركعة في ‏قيام الليل كما زعم الألباني.‏

فإن قال الألباني هذه الأحاديث التي ذُكر فيها أن الرسول زاد على إحدى عشرة ركعة معارضة لحديث عائشة الذي ‏أخرجه البخاري الذي فيه أن الرسول ما زاد في صلاة الليل في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فما ‏خالفه فهو ضعيف فيكون الرَّاجح و تكون تلك الروايات مرجوحةً لا يحتجُّ بها، قلنا: و التّرجيح لا يصار إليه ما ‏أمكن الجمع بين الروايتين و هنا الجمع ممكن سهل و ذلك بأن يقال إن عائشة لما حدَّثت ذلك الحديث لم يكن لها ‏اطلاع على غير ذلك القدر، لم تشاهد النبي صلى الله عليه و سلم صلَّى أكثر من إحدى عشرة ركعة، و لا يمنع ذلك ‏أن يكون غيرها كابن عباس شاهد منه ما يزيد على ذلك، لأن عائشة ما كانت تراه صلى الله عليه و سلم كل ليلة ‏من بين تسع ليال في بعض الزمن الذي عاشت معه صلى الله عليه و سلم، و الدليل على ذلك أنها روت عنه صلى الله ‏عليه و سلم أنه ءاخر عمره كان يقوم بأقلَّ من ذلك رأته قام بتسع ركعات.‏

و مما يدل على ما ذكرنا ما ذكره الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير و نصه (20):" حديث أم سلمة: كان رسول ‏الله صلى الله عليه و سلم يوتر بثلاث عشرة فلما كبر و ضعف أوتر بسبع، رواه أحمد و الترمذي و النسائي و الحاكم ‏و صححه من طريق عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عنها، قوله لم ينقل زيادة على ثلاث عشرة كأنه أخذه من ‏رواية أبي داود الماضية عن عائشة و لا بأكثر من ثلاث عشرة و فيه نظر، ففي حواشي المنذري: قيل أكثر ما روي في ‏صلاة الليل سبع عشرة و هي عدد ركعات اليوم و الليلة، و روى ابن حبان و ابن المنذر و الحاكم من طريق عراك ‏عن أبي هريرة مرفوعاً:" أوتروا بخمس أو سبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك " انتهى.‏
ثم قال (21): " حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في ءاخرهن، رواه مسلم ‏بلفظ:" كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يوتر بخمس ركعات لا يجلس و لا يسلم إلا في الأخيرة منهن"، وللبخاري ‏من حديث ابن عباس في صلاته في بيت ميمونة:" ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن" اهـ.‏



و هذا دليل على أن عائشة روت هذا الحديث الذي اعتمد عليه الألباني و فهمه على غير وجهه.‏

و من أكبر ما حصل من الفساد بسبب تحريم الألباني قيام رمضان بأكثر من إحدى عشرة ركعة ما كتبه بعض أتباعه ‏في قيام رمضان و هو قوله:" إن عمر لم يأمر بالقيام بثلاث و عشرين ركعة و إن كان أمر بذلك فهو من الذين ‏يدخلون تحت هذه الآية :{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (21)} [ سورة الشورى ] ‏فقد جعل هذا الجاهل عمر داخلاً تحت هذه الآية، و هذا غضٌّ كبير و تنقيص عظيم لعمر رضي الله عنه، و هذا ‏الرجل يسمى " نسيب الرفاعي " و سماه أهل حلب " نسيب الأفاعي ".‏

و يكفي في الرد على الألباني ما رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا ‏أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتِر لك ما صليت "(22).‏

و فيخ دليل على أن صلاة الليل ليس لها عدد بركعاتٍ محدودة و هذا أيضًا ناقض لقول الألباني بتحريم ما زاد على ‏إحدى عشرة ركعة أو نقص، فعنده إذا لم يثبت عن رسول الله ‏





إلا هذا فما نقص و ما زاد فهو حرام، فبهذا و نحوه خرج الألباني من الأمة لأنه ضلل الأمة و من ضلل الأمة فليس ‏منهم" ‏
انتهى كلام العلامة الهرري حفظه الله تعالى.‏

نقول: فأنت يا ألباني بتحريمك أكثر من إحدى عشرة ركعة ضللت الأمة و خالفت فرقتك التي تنتسب إليها الو هابية ‏فإنهم يصلون في مكة و المدينة و سائر بلادهم عشرين ركعة و يوترون بثلاث ، كما خالفت علماء الحديث و الفقهاء ‏و العبَّاد في تحريمك زيارة قبور الأنبياء و الأولياء للتبرك، و كل المحدثين المتقدمين و المتأخرين على جواز ذلك يرون ‏ذلك عملاً حسنًا عندما يترجمون المحدثين فكثيرًا ما يذكرون:" و قبره هناك يزار و يتبرك به "و قد يكتبون " و تجاب ‏الدعوة عنده "، فكتب علماه الحديث التي ألفوها في طبقات المحدثين طافحة بذلك، و هذا الإمام الحافظ الكبير الذي ‏قال علماء الحديث فيه إن الذين جاؤوا بعده من المحدثين عيال على كتبه في علم مصطلح الحديث ذكر في كتاب ‏تاريخ بغداد قبر النذور و تبرك الناس به و قضاء حاجاتهم بزيارته، و ذكر أن الإمام الشافعي كان يزور قبر الإمام أبي ‏حنيفة و يدعو عنده فتقضى حاجاته، و ذكر هو و غيره أن قبر معروف الكرخي الذي ببغداد ترياق مجرب أي لقضاء ‏حاجات قاصديه الذين يدعون عنده و قال ذلك أيضًا الإمام الحافظ المجتهد إبراهيم الحربي الذي كان يُشَبَّهُ بالإمام ‏أحمد بن حنبل، و قال أحمد بن حنبل إن التبرك بمس قبر النبي و منبره تقربًا إلى الله جائز، نقل ذلك عنه ابنه عبد الله في ‏كتاب العلل و معرفة الرجال (23). و هذا عمل المسلمين علمائهم و فقهائهم من غير خلاف في استحسان ذلك حتى ‏جاء ابن تيمية الذي توفي في القرن الثامن الهجري فحرَّم ذلك و جعله شركًا فتبعته أنت و طائفتك لكنك أنت ‏انفردت عن طائفتك بإبطال كل قول يخالف قولك و يميل إليه قلبك في المسائل الفقهية في الطهارات و الصلوات و ‏الزكوات و جواز تحلّي النساء بحلي الذهب المحلَّق، و أنت تعلم أن الأئمة المجتهدين من الصحابة و من بعدهم اختلفوا ‏في مسائل الطهارة و الوضوء و الغسل و التيمم و الصلاة و في مسائل النطاح و الطلاق و الجنابات إلى غير ذلك، و ‏قد يكون اختلافهم في بعض المسائل على وجهين و في بعض على ثلاثة أوجه و في بعض يزيد على ذلك إلى نحو سبع ‏أو أكثر فأنت بذلك عملت قاعدة لنفسك و هي قولك:" الحق لا يتعدد " تريد بذلك أن كل من سواك من ‏المجتهدين على باطل.‏
و معنى هذا الكلام أنا الرجل المهتدي و من مشى معي لا


غير، أنا على الحق و من تبعني و من سواي على باطل، فكأنك تقول بهذا أنا المهتدي و من وافق رأيي فقط.‏

فقد وضح الحق لذي عينين أنك شاذ عن جميع المسلمين حتى عن المحدثين الذين تفتخر بالإنتساب إليهم و لست ‏منهم، فإنهم سلفهم و خلفهم من كان قبل إظهار ابن تيمية شذوذه و من بعده من الحفاظ على خلاف ما تعتقده من ‏تكفير المتبركين بزيارة الأنبياء و الأولياء، فأنت كفرتهم إن كنت شاعرًا بذلك و إن كنت غير شاعر، فها أنت يا ‏ألباني قد باينت مباينة بعيدة عن أهل الحديث الذين تدعي أنت أنك منهم و تعتز بهم، و لقد تبيَّن أنك عدوهم و عدو ‏الفقهاء و العبَّاد و الزهاد و الصوفيين المتحققين و بهذا تبين أنك و طائفتك الوهابية شاذون عن السلف و الخلف فلا ‏يجوز تسميتكم سلفية كما سميتم أنفسكم.‏

و قد وصف عبد المنعم مصطفى حليمة الألباني في أثناء ردّه عليه بقوله (24) إنه جهمي جلد و هو موافقه في عقيدة ‏التجسيم لكنه لما انحرف انحرافات لا تقول بها فرقته الذين منهم هذا الرادّ عليه وصفه بأنه جهمي أي يوافق الجهمية في ‏بعض غقائدها.‏


--------------------------------------------------------------------------


‏(1)- انظر كتابه المسمى" قيام رمضان" (ص/22).‏
‏(2)- فتاوى الألباني (ص/315).‏
‏(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.
‏(4)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان.‏
‏(5)- رواه ابن المنذر في الآوسط (5/184)، و البيهقي في السنن الكبرى (3/31-32).‏
‏(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.‏
‏(7)- سبق تخريجه.‏
‏(8)- طرح التثريب في شرح التقريب (3/98).
(9)- سنن البيهقي (2/496).‏
‏(10)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان.
‏(11)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/135).‏
‏(12)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/135).‏
‏(13)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/ 136-137).‏
‏(14)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/138).‏
‏(15)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/138).‏
‏(16)- أخذه اللحم معناه ثَقُلَ عليه لحم بدنه.‏
‏(17)- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/141).‏
‏(18)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المسافرين: باب صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و دعائه بالليل، و ابن ‏المنذر في الأوسط (5/157)، و ابن خزيمة في صحيحه (2/191).‏
‏(19)- أخرجه البخاري في صحيحه: أبواب تقصير الصلاة: باب كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه و سلم و كم ‏كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل.‏
‏(20)- تلخيص الحبير (2/14-15).‏
‏(21)-تلخيص الحبير (2/15).‏
‏(22)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوتر: باب ما جاء في الوتر.‏
‏(23)- العلل و معرفة الرجال (2/492)‏
‏(24)- انظر كتابه المسمى " الانتصار لأهل التوحيد و الرد على من جادل عن الطواغيت " (ص/14).‏



 

« الموضوع السابق

الموضوع التالى »