الصفحة الرئيسية ||فهرس كتاب عمرو خالد في ميزان الشريعة || فهرس الكتب

الرد على ناصر الالباني

                                                                                                                                                                                          
 

الفصل الثاني بيان شذوذ الألباني في مسألة كلام الله ‏




‏ ها هو الألباني يصرح باعتقاد ليس له سلف فيه إلا الكرامية والمشبهة وهما ‏فرقتان من الفرق الضالة الذين انحرفوا عن عقيدة أهل السنة والجماعة, فيقول في ‏كتابه المسمى "مختصر العلو"(1), بأن الله متكلم بصوت وحرف, وما هذا الكلام إلا ‏امتداد لعقيدة التشبيه التي يحملها وينسبها زورا وبهتانا إلى أئمة الحديث وإلى ‏أهل السنة والجماعة, وهم بريئون منه ومن عقيدته الكفرية, شأنه في ذلك شأن ‏متبوعه إمام الضلالة أحمد بن تيمية الحراني, ثم نقل في شرحه على الطحاوية(2) ‏عن بعض المجسمة ما نصه:{ وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما, وهذا ‏المأثور عن أئمة الحديث والسنة}اهـ. ‏

‏ الرد: لا يستطيع هذا المجسم ولا أحد من الوهابية أن يثبتوا نقلا صحيحا عن أحد ‏أئمة الحديث والسنة المعتبرين ما زعمه الألباني, بل هذه عقيدة ابتدعها ابن ‏تيمية, فإن عقيدة السلف كما قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر رضي الله عنه ‏عن كلام الله:{ ويتكلم لا ككلامنا, نحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا ‏آلة ولا حرف} انتهى بحروفه. ‏

وقال العز بن عبد السلام(3) ما نصه:{ فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحروف ولا ‏صوت, ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادا في الألواح والأوراق شكلا ترمقه العيون ‏والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق, بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور ‏من أفعالهم أن تكون قديمة, ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه ‏لدلالتها على ذاته}, إلى أن قال:{ فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ ‏العباد أو رسم من أشكال المداد}. انتهى, وهذا هو عين الرد على الألباني ‏وجماعته الوهابية المجسمة لأنهم قالوا إن الله يتكلم بالحروف التي يتكلم بها البشر, ‏أي على زعمهم عندما قال الله في القرءان الكريم سورة مريم:{ كهيعص }(1) فالله ‏عندهم متكلم بالكاف والهاء والياء والعين والصاد وهذا عين كلام البشر, فما ‏جوابكم عن ذلك؟!اهـ. ‏

‏ وفي كتاب "نجم المهتدي ورجم المعتدي" للفخر بن المعلم القرشي الفتاوى التي ‏تبطل عقيدة هؤلاء المشبهة, فمن أراد مزيد التأكد فليرجع إليه. ‏

‏ وعلى هذا علماء الإسلام كالحافظ البيهقي الأشعري وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم ‏من الشافعية, وأبي المعين النسفي والقونوي وغيرهما من الحنفية, ومحمد بن يوسف ‏السنوسي والعز بن عبد السلام وغيرهما من المالكية, والحافظ ابن الجوزي وغيره من ‏فضلاء الحنابلة. ‏

‏ فليُعلم أن هؤلاء المشبهة يعتقدون أن الله متكلم بكلام هو حروف وأصوات متعددة ‏يحدث في ذاته ثم ينقطع, ثم يحدث ثم ينقطع والعياذ بالله تعالى, وهذا ضلال مبين مخالف ‏لقوله تعالى :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }(11)[سورة الشورى].‏

‏ فاعلم أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفا وصوتا ولغة, فالله تعالى موجود ‏متكلم سميع بصير قادر عالم قبل وجود الخلق فهو موصوف بصفة الكلام قبل وجود الحرف ‏والصوت واللغات. ‏

‏ والقرءان الكريم له إطلاقان يطلق ويراد به صفة الله القائمة بذاته أي ‏الثابتة له فهو على هذا المعنى ليس حرفا ولا صوتا وليس بمبتدإ ولا مختتم, فالحروف ‏متعاقبة, فحين يقول القارئ بسم الله الرحمن الرحيم نطق بالباء ثم السين وهكذا, ‏ولا شك أن هذا الناطق ونطقه بالحروف المتعاقبة كلٌّ مخلوق ولا يجوز ذلك على الله. ‏

‏ ويطلق القرءان ويراد به اللفظ المنزل على سيدنا محمد فهذا اللفظ المكتوب في ‏المصاحف المقروء بالألسنة المحفوظ في الصدور الذي هو باللغة العربية لا يشك عاقل ‏أنه مخلوق, ومع ذلك فهو ليس من تأليف مَلَك ولا بشر. ومن الدليل على أن اللفظ ‏المنزل مخلوق قول الله تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }(19)[سورة التكوير] أي أن هذا ‏القرءان لمقروء رسول كريم هو جبريل عليه السلام, ولا يجوز أن تكون قراءة جبريل ‏أزلية, وكذلك قوله تعالى:{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ }(6)[سورة ‏التوبة] يدل على أن كلام الله يُطلق ويراد به اللفظ المنزل المخلوق لأن الكافر في ‏الدنيا لا يسمع كلام الله الذي هو الصفة القائمة بذات الله. ‏

‏ ولا يطلق القول بأن القرءان مخلوق ولو مع إرادة اللفظ المنزل حتى لا يُتوهم من ‏ذلك أن كلام الله الذي هو صفة ذاته مخلوق, بل يقال في مقام التعليم: القرءان إن ‏أريد به اللفظ المنزل فهو مخلوق, وإن أريد به الكلام الذاتي فهو أزلي ليس بحرف ‏ولا صوت. ‏

‏ ومن أصرح الأدلة على أن كلام الله بمعنى الصفة القائمة بذات الله ليس حرفا ولا ‏صوتا ولا لغة قوله صلى الله عليه وسلم:{ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس ‏بينه وبينه ترجمان} رواه البخاري(24), فالله تعالى هو يحاسب جميع الخلق بنفسه ‏فيُسمع الكافر والمؤمن كلامه الذاتي فيفهم العباد منه السؤال عن نياتهم ‏وأفعالهم وأقوالهم, والله قال في القرءان:{ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ‏‏}(62)[سورة الأنعام]. فلو كان حساب الله تعالى لعباده بتكليمه لهم بحرف وصوت ‏ولغة لأخذ الحساب وقتا طويلا ولما كان الله أسرع الحاسبين كما قال, بل كان أبطأ ‏الحاسبين لأن الخلق كثير وإبليس وحده عاش ءالافا من السنين والله أعلم كم سيعيش ‏بعد, ويأجوج ومأجوج الكفار ورد في الحديث أن كل البشر بالنسبة لهم كواحد من ‏ألف فلو كان حساب هؤلاء بالسؤال بالحرف والصوت لكان حساب العبد يحتاج لوقت ‏طويل, والله يفرغ من حساب العباد في لحظة قصيرة في جزء من موقف من مواقف القيامة ‏الخمسين, فتبين للعاقل أن كلام الله الذي هو صفة ذاته ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة. ‏

--------------------------------------------------------

 

‏(1)- مختصر العلو (ص/7 و 156 و 285 ).‏
‏(2)- انظر كتابه المسمى العقيدة الطحاوية شرح و تعليق الألباني (ص/25).‏
‏(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ‏ناظرة}.‏
 

« الموضوع السابق

الموضوع التالى »