الصفحة الرئيسية || فهرس كتاب محمد سعيد رمضان البوطي في ميزان الشريعة || فهرس الكتب

محمد سعيد رمضان البوطي في ميزان الشريعة

                                                                                                                                                                                          
 

البوطي الذي يتغنى بدرء الفاسد وسد الذرائع يبيح صراحة للشخص أن يتخيل أنه يرتكب الزنى ولو وجد مع ذلك لذة. وأباح للمرأة التي يضاجعها زوجها أن تتصور أنها مع غيره


يقول في مجلة طبيبك العدد تشرين أول 1995 :"إن حديث الإنسان نفسه عن مقارفة معصية ما وما يتبعه من تخيّل تلك المعصية واللذة التي قد تصحب ذلك كل ذلك معفوّ عنه وساقط عن الاعتبار والمحاسبة بفضل الله وصفْحه ودليل ذلك الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أو يفعلوا" انتهى.

ويقول في المجلة نفسها في جواب هذا نصه :"إلى السيد الذي نعت نفسه بلقب "إلى قعر جهنم":"إن شعور الرجل باللواعج الجنسية من جراء ما قد يتعرض له من مغريات لا يُعد شيئًا محرمًا، بل إن ما يجتاحه من حديث النفس وأحلام اليقظة والتخطيط لارتكاب محرمات أيًّا كانت لا يدخل هو الآخر في شىء من المحرمات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :"إنَّ الله تجاوز لأمّتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل". وقال في المجلة ذاتها عدد حزيران 1998 صحيفة 104 جوابًا على سؤالين متشابهين أحدهما من رجل والآخر من امرأة، وأحد هذين السؤالين عن امرأة يصف حالها مع زوجها أنهما عندما يتقاربان تخونه بالخيال أي تتصور نفسها مع رجل ءاخر وهي لذلك تعيش في حرقة الضمير وعذابه فيقول البوطي مجيبًا :"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل، وعليه فإن الخواطر التي تطوف بذهنك حول تلك التي أحببتها ثم لم تستطع أن تقتلع محبتها من قلبك لا يحاسبك الله عليها إذ هي من الانفعالات القسرية وليست من الأفعال الاختيارية، ولكن فلتكن حارسًا على سلوكك أن لا تجمع بك خواطرك الانفعالية تجاهها إلى أي تصرف محرم" انتهى.

ويقول في المجلة ذاتها عدد تموز 1994 ردًّا على سؤال :"إن مشاعر الحب ليس أكثر من انفعالات قسرية والانفعال لا يتعلق به تكليف ولا يدخل في الأحكام أو المحظورات الدينية، وتفكر المحب بمحبوبه كذلك بل الأفكار الداخلية أيًّا كانت خارجة عن نطاق التكليف ولا يحاسب الله عليها، ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل" انتهى. الرد: إن البوطي يحلل للرجل وللمرأة الاسترسال مع الخواطر وذلك بأن يتخيل نفسه مع امرأة يزني بها فيتصور مفاتنها وأعضاءها ولو كان ذلك مصحوبًا مع اللذة كما قال، فلو سلمنا أن هذا الأمر حلال كما يدّعي فلماذا لا يحرمه تحت الدعوى التي يدعيها دومًا وهي سد الذرائع ودرء المفاسد، كما يلجأ عادة إلى تحريم المباحات تحت هذه العناوين الأصولية التي يستعملها متى شاء ويُعرض عنها متى شاء وكأن الحكم بها لم يخلق لغيره.

وكيف تكون هذه التخيلات قسرية وهي مصحوبة بالمتعة واللذات والاسترسال بهذا الشأن وقد أباح للمرأة كما بينا أن تتخيل وهي تضاجع زوجها أن تتخيل أنها مع رجل ءاخر.

ومن المعلوم أن هذه التخيلات لا حرمة فيها إن كانت خواطر بلا إرادة يكرهها الشخص ويدفعها عن نفسه، لا أن يسترسل بذلة وشهوة كما ادعى البوطي، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/161) في شرح الحديث المذكور ما نصه :"والمراد نفي الحرج عما يقع في النفس حتى يقع يعمل بالجوارح أو القول باللسان على وفق ذلك، والمراد بالوسوسة تردد الشىء في النفس من غير أن يطمئن إليه ويستقر عنده" انتهى.

فأين كلامك يا بوطي من هذا الكلام؟ فأي امرأة جاهلة عندما تقرأ كلامك قد تتصور أن لها أن تتخيل نفسها وهي في حال المجامعة مع زوجها أنها تجامع رجلاً غيره.

وكذلك تطلق العنان للرجل أن له أن يجامع زوجته ثم يطلق فكرَه أنه مع امرأة أخرى لا تحل له، فكيف تجعل هذا شرع الله؟ والله لقد فتحت بابًا من الشر عظيم.

ثم ألم يقل الله تعالى في القرءان الكريم :{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} (سورة الحج)، فبزعمك قل لنا كيف يذيق الله عذابًا لشخص أراد مجرد إرادة فقط أراد فيه (أي المسجد الحرام) الإلحاد بظلم، والمعلوم أن الإرادة من أعمال القلب.

ثم ألم يُجمع أهل الحق على أن الرضا بالكفر كفر وتمنّي الكفر كفر، وأن من نوى أن يكفر فقد كفر ولو لم ينطق أو يفعل.

ألم تسمع بحديث البخاريّ (صحيح البخاري ـ كتاب الاستئذان) عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :"إنَّ الله كتبَ على ابن ءادم حظَّه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه".

أما بلغك هذا الحديث؟ أم سمعته قبلاً؟ أليس زنى القلب والنفس هو التمني والاشتهاء؟ يا من تبيح للرجل أن يسترسل مع تمنياته المحرمة وشهوته.

ألم تسمع ما رواه ابن حبان في صحيحة (6/300) عن عبد الرحمن الأعرج، قال: قال أبو هريرة بأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"كل ابن ءادم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناؤهما النظر، واليد زناؤهما اللمس، والنفس تهوى ويصدقه أو يُكذّبه الفرج".

ثم ألم تقل في مجلة طبيبك عدد ءاذار 1995 لسائل عن الخواطر أو الوساوس المنافية لمقتضى الدين وعقائده ما نصه :"الخواطر أو الوساوس أو الصور المنافية لمقتضى الدين وعقائده يتعرض لها كل إنسان مهما كانت درجته من التمسك والالتزام وهي لا تدخل في الاختيارات الإنسانية التي يحاسب الله بل هي انفعالات قسرية لا يتعلق بها التكليف وقد صرح رسول الله بأن الله لا يحاسب الإنسان المسلم عليها ما دام أنها تهجم على فكره دون اختيار وما دام أنه يشمئز منها ويضيق ذرعًا بها ما لم تقل أو تفعل".

ثم ألم تقل في المجلة ذاتها عدد حزيران 1995 لأحد السائلين:"أما التخيلات والأوهام التي تهجم على شعورك بأنه لا يوجد إله لهذا الكون فإن استقبلها عقلك بقبول وأخذت ترحب بها فذلك هو الكفر والعياذ بالله، وأما إن رفضها عقلك وشعرت بضيق ووحشة من هذه الخواطر فذلك دليل رسوخ الإيمان".

وهنا نطرح السؤال التالي: لماذا في مسائل الاعتقاد عليه أن لا يستقبل عقله بالوساوس الكفرية وعليه أن لا يرحب بها وعليه أن يرفضها، أما في مسائل التلذذ المحرم فلا إثم عليه في التخيل واللذة على قولك، وأن كل ما يجتاحه من حديث النفس والتخطيط مع اللذة المحرمة لا يعد محرمًا أيًّا كان على قولك لا يدخل هو الآخر في المحرمات. فالبوطي يتناقض مع ذاته كما يظهر لكم.

أليس عجيبًا أن يقول عن المرأة التي تخرج متعطرة إنها زانية ولو لم تقصد التعرض للرجال ثم يبيح لها أن تتخيل رجلاً يضاجعها في حال المجامعة مع زوجها فيا للعجب.

وأخيرًا اسمع يا بوطي لنص في إحياء علوم الدين (2/304) من باب السماع حيث يقول الغزالي :"وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها وكان ينزل ما يسمع على ما تمثل في نفسه فهذا حرام لأنه محرك للفكر في الأفعال المحظورة ومهيج للداعية إلى ما لا يباح الوصول إليه، وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار شىء من ذلك" انتهى.

وأخيرًا وبفضل الله عز وجل عندما بلغت فتوى البوطي هذه إلى كثير من مشايخ وعلماء دمشق وحلب وحمص وحماه وغيرها من المدن استشنعوا هذه الفتوى.