الصفحة الرئيسية || فهرس كتاب علم الكلام || فهرس الكتب

علم الكلام

                                                                                                                                                                                          
 

بيان أن علم الكلام يتضمن الحِجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والنقلية والرد على المبتدعة ‏‏المنحرفين


ما يجب من علم التوحيد على كل مكلفٍ وما يجب على بعض المكلفين
اعلم أن العلم بالله تعالى وصفاته أجلّ العلوم وأعلاها وأوجبها وأولاها، ويسمّى علم الأصول وعلم ‏‏التوحيد وعلم العقيدة‎.‎


ويسمى هذا العلم أيضاً مع أدلته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة علم الكلام؛ والسبب في تسميته ‏بهذا ‏الاسم كثرة المخالفين فيه من المنتسبين الى الإسلام وطول الكلام فيه من أهل السنة لتقرير الحق ؛ ‏وقيل ‏لأن أشهر الخلافات فيه مسئلة كلام الله تعالى أنه قديم – وهو الحق – أو حادث . ‏‎ ‎فالحشوية ‏قالت: ‏كلامه صوت وحرف، حتى بالغ بعضهم فقال: ان هذا الصوت ازلي قديم ، وان اشكال ‏الحروف التي في ‏المصحف ازلية قديمة ، فخرجوا عن دائرة العقل ، وقالت طائفة اخرى : ان الله ‏تعالى متكلم بمعنى انه ‏خالق الكلام في غيره كالشجرة التي سمع عندها موسى كلام الله لا بمعنى انه ‏قام بذات الله كلام هو ‏صفة من صفاته وهم المعتزلة قبحهم الله ، وقال اهل السنة : ان الله متكلم ‏بكلام ذاتي ازلي ابدي ليس ‏حرفا ولا صوتا ولا يختلف باختلاف اللغات .‏

‎ ‎وموضوع علم الكلام هو النظر اي الاستدلال بخلق الله تعالى لاثبات وجوده وصفاته الكمالية ‏‏وبالنصوص الشرعية المستخرج منها البراهين . وهو على قانون الاسلام لا على اصول الفلاسفة ،لان ‏‏الفلاسفة لهم كلام في ذلك يعرف عندهم بالالهيات ؛ وعلماء التوحيد لا يتكلمون في حق الله وفي ‏حق ‏الملائكة وغير ذلك اعتمادا على مجرد النظر بالعقل ، بل يتكلمون في ذلك من باب الاستشهاد ‏بالعقل ‏على صحة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالعقل عند علماء التوحيد شاهد ‏للشرع ليس ‏اصلا للدين ، واما الفلاسفة فجعلوه اصلا من غير التفات إلى ما جاء عن الأنبياء، فلا ‏يتقيدون بالجمع بين ‏النظر العقلي وبين ما جاء عن الأنبياء، على أن النظر العقلي السليم لا يخرج عمّا ‏جاء به الشرع ولا ‏يتناقض معه‎.‎

قال الغزالي في " الاحياء " ما نصه ( 1 ) :" واما الكلام فمقصوده حماية المعتقدات التي نقلها اهل ‏السنة ‏من السلف الصالح لا غير" . ا هــ

قال الحافظ ابن عساكر ( 2 ) : "اخبرنا الشيخ ابو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن احمد الجرجاني ‏‏الصوفي المعروف بالشعر بنيسابور قال : سمعت ابا الحسن علي بن احمد المديني يقول : سمعت الإمام ‏أبا ‏محمد عبد الله بن يوسف الجويني يقول : رأيت ابراهيم الخليل عليه السلام في المنام فاهويت لان ‏اقبل ‏رجليه فمنعني من ذلك تكرما لي فاستدبرت فقبلت عقبيه ، فأولته الرفعة والبركة تبقى في عقبي ‏، ثم قلت ‏‏: يا خليل الله ما تقول في علم الكلام ، فقال : يدفع به الشبه والاباطيل " ا هــ

فعلماء الكلام من اهل السنة ذكروا الأدلة العقلية على اثبات وجود الله وإثبات حدوث العالم وهو ‏كل ما ‏سوى الله ، وما يجب لله من صفات الكمال التي تليق به ، وما يجب تنزيهه عنه من صفات ‏المخلوقين ‏كالجسمية والمكان ومشابهة الخلق وغير ذلك مما لا يجوز ان يوصف الله به .‏

فمثلا قالوا : من البراهين العقلية على حدوث العالم ان الجسم لا يخلو من الحركة والسكون وهما ‏حادثان ‏لأنه بحدوث أحدهما ينعدم الآخر ، فما لا يخلو من الحادث حادث فالاجسام حادثة .‏
ولهم دليل ءاخر على اثبات حدوث العالم باثبات حدوث الاعيان والاعراض ،فقالوا : العالم بجميع ‏اجزائه ‏محدث اذ هو اعيان واعراض فالأعيان ما له قيام بذاته وهو إما مركب وهو الجسم او غير ‏مركب ‏كالجوهر - الفرد - وهو الجزء الذي لا يتجزأ ، اي قسموا العالم الى اعيان واعراض ولا ‏ثالث لهما ، ‏لان الاعيان ما له قيام بذاته ، والقيام بذاته معناه التحيز بنفسه اي ليس تحيزه تابعا لتحيز ‏شئ ءاخر ‏كالشخص من الاشخاص من بني ءادم وكالفرد من أفراد الحجر الحجر والفرد من افراد ‏الشجر الى غير ‏ذلك ،‎ ‎هذه الاشياء اعيان لانها متحيزة تحيزا مستقلا اي غير تابع لتحيز شئ اخر ، ‏والاعيان إما مركبة ‏من جزئين فاكثر ، ويسمى المركب جسما ، او غير مركب كالجوهر ، والجوهر ‏في اللغة الأصل وفي ‏اصطلاحهم الجزء الذي لا يقبل الانقسام من التناهي في القلة ويقال له الجوهر ‏الفرد ، وانما سمي الجوهر ‏لانه اصل الاجسام ، والاجسام تحصل من جوهرين فاكثر فتصير قابلة ‏للإنقسام ويعبر عنه بالجزء الذي لا ‏يتجزأ.‏


‏ والعرَض ما لا يقوم بذاته يعني ان العرض الذي هو احد قسمي الحادثات ما لا يقوم بذاته بل بغيره ‏‏كبياض الجسم الابيض وسواد الجسم الاسود وحركة الجرم وسكونه ونحو ذلك ، فهذه الاعراض ‏‏حادثة،والخالق لهذه الأعيان والأعراض هو الله تعالى .‏

وقالوا في الرد على المشبهة : لو كان الله يشبه شيئا من الاشياء لكان لا يخلو من ان يكون يشبهه من ‏‏كل جهاته او يشبهه من بعض جهاته ، فان كان يشبهه من كل جهاته وجب ان يكون محدثا من ‏كل ‏جهاته ، وان كان يشبهه من بعض جهاته وجب ان يكون محدثا مثله من حيث اشبَهَهُ ، لان كل ‏‏مشتبهين حكمهما واحد فيما اشتبها به ، ويستحيل ان يكون المحدث قديما والقديم محدثا ، وقد قال ‏الله ‏تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11) } سورة الشورى ، وقال تعالى وتقدس {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا ‏أَحَدٌ ‏‏(4)} (سورة الاخلاص) .‏
‏ وفي هذا رد على الوهابية المشبهة الذين يشبهون الله تعالى بالبشر فيقولون الله متكلم بحرف وصوت ‏قديم ‏النوع حادث الافراد , ويقولون بان الله يتحرك وغير ذلك من ضلالهم والعياذ بالله تعالى , لذلك ‏نراهم ‏يذمون هذا العلم الذي يقض مضجعهم ويبين فساد عقيدتهم ، ولقد احسن القائل :‏

‏ عاب الكلام اناس لا عقول لهم *********  وما عليه اذا عابوه من ضرر‏
ما ضر شمس الضحى في الافق طالعة **** ان لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر ‏
‏------------‏
‏(1)‏ إحياء علوم الدين : بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة (1/52).‏
‏(2)‏ تبيين كذب المفتري (ص/355-356).‏