الصفحة الرئيسية || فهرس كتاب حقيقة الصوفية || فهرس الكتب

الصوفية

                                                                                                                                                                                          
 

كرامات الأولياء‎


كرامات الأولياء‎ ‎

قال الله تعالى في القرءان الكريم: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ‏آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ ‏الْعَظِيمُ (64)} [سورة يونس].‏‎ ‎

وقال الإمام القشيري: الولي من توالت طاعاته، ومن تولى الحق سبحانه حفظه، وإنّما يديم توفيقه ‏الذي هو قدرة الطاعة قال الله تعالى: { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} [سورة الأعراف] ولا يكون ‏معصوما كالأنبياء بل يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب.‏‎ ‎

وقال الله تعالى: { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ‏ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا(16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت ‏تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17)} [سورة الكهف] الآية‎ ‎

وقد بسط الكلام في تفسير هذه الآية على اثبات كرامات الأولياء الفخر الرازي في تفسيره الكبير ‏فقال: "احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات".‏‎ ‎

ومن دلائل الكرامات نص القرءان في قصة صاحب سليمان عليه السلام ءاصف بن برخيا في قوله ‏تعالى: { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40)} [سورة النمل] ولم يكن نبيا، والأثر عن أمير ‏المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح أنه قال: يا سارية الجبل الجبلَ في حال خطبته يوم ‏الجمعة، وتبليغ عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل تلك الساعة.‏‎ ‎

وأنشدوا: (الرجز)‏‎ ‎

وأثبتن للأوليا الكرامهْ ... ومن نفاها فانبذن كلامهْ‎ ‎

واعلم أن كرامات الأولياء ثابتة بالقرءان والحديث وما تواتر من أخبار على مر العصور والأزمان، ‏وهذا هو الحق عند جمهور أهل السنة. وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو ‏مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم متابعة نبيّ كلف بشريعته، مصحوب بصحيح ‏الاعتقاد والعمل الصالح علم بها أو لم يعلم، فامتازت بعدم الاقتران (أي بدعوى النبوة) المذكور عن ‏المعجزة، كما وأنها تختلف عن الإرهاص، والإرهاص ما يحصل للنبي قبل نزول الوحي عليه ‏كتسليم الحجر على رسول الله في شعاب مكة، وامتازت بظهور الصلاح عما يسمى معونة كالتي ‏تظهر على يد بعض عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره، وبالتزام متابعة نبي كلف ‏بشريعته عن الخوارق المؤكدة لكذب الكذابين وتسمى إهانة كبصق مسيلمة الكذاب في بئر عذبة الماء ‏ليزداد ماؤها حلاوة فصار ملحا أجاجا.‏‎ ‎

وليس إنكار الكرامة من أهل البدع بعجيب إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم ولم يسمعوا به من رؤسائهم ‏مع اجتهادهم في العبادات صورة واجتناب السيئات بزعمهم، فوقعوا في أولياء الله تعالى أهل ‏الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنيا على صفاء العقيدة ونقاء ‏السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة.‏‎ ‎

وقال الإمام القشيري: قال أوحد فنه في وقته القاضي أبو بكر الأشعري رضي الله عنه: ان المعجزات ‏تختص بالأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها، ‏والمعجزة لم تكن معجزة لعينها إنّما كانت لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك ‏الشرائط لا تكون معجزة وأحد تلك الشرائط دعوى النبوة، والولي لا يدعي النبوة، فالذي يظهر عليه ‏لا يكون معجزة، قال القشيري: وهذا القول الذي نعتمده ونقول به، فشرائط المعجزة شكلها أو أكثرها ‏توجد في الكرامة الا هذا الشرط الواحد.‏‎ ‎

واعلم أن كل كرامة لولي هي معجزة للنبي الذي يتبعه ذلك الولي، وما جاز أن يكون معجزة لنبي ‏جاز أن يكون كرامة لولي الا ما كان من خصائص النبوة.‏‎ ‎

وانشدوا قولهم: (الكامل)‏
والأوليا اذكرهم بخير انهمii      iiتبعوا الرسول بصحة الآداب‎ ‎
خدموا الشريعة وما اتبعوا الهوى      iiمـتمسكين بأشرف الأنساب‎
صـحت ولايتهم بشاهد حالهمii      iiفَـعَلَوا وصاروا وجهة الطلاب‎‎
لهم الكرامات التي ظهرت بناii      iiكـالشمس ما حجبت ببرد سحاب
فاذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرءان والأخبار والآثار.‏‎ ‎

فأما الأول: ما جاء في قصة مريم عليها السلام وولادتها عيسى دون زوج، وكفالة زكريا لها عليه ‏الصلاة والسلام، وكان لا يدخل عليها غيره وإذ خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد ‏عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ومن قصة أصحاب الكهف ولبثهم‎ ‎في ‏كهفهم سنين بلا طعام ولا شراب، ومن قصة ءاصف بن برخيا واتيانه بعرش بلقيس قبل ارتداد ‏طرف سليمان عليه السلام، وكذلك قصة إماتة عزير مائة عام ، ومن ذلك قصة ذي القرنين وتمكينه ‏في الأرض وملكه تلك المساحة الشاسعة في المدة القليلة.‏‎ ‎

والثاني: ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الصالح جريج الذي ‏أكرمه الله بأن أنطق له غلاما في المهد وخبر الثلاثة الذين ءاواهم المبيت الى غار فدخلوه فسدت ‏عليهم الغار صخرة فأكرمهم الله بأن نجاهم بصالح أعمالهم.‏‎ ‎

وكذلك قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه ‏مسلم والأخبار كثيرة، ومنها ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أنّه قال: "فاذا أحببته ‏كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها" رواه البخاري، ويقول الامام ‏الرفاعي رضي الله عنه في شرح هذا الحديث: "الصقوا بأولياء الله، الولي من وادَّ الله وءامن به ‏واتقاه، فلا تحادّوا من وادّ الله. الله ينتقم لأولياءه ممن يؤذيهم، عليكم بمحبتهم والتقرب اليهم تحصل ‏لكم البركة‎ ‎

أما الآثار فمنهما أن الملائكة كانت تسلم على عمران بن الحصين، وكان سليمان وأبو الدرداء يأكلان ‏في صحفة فسبحت الصحفة وسبح ما فيها، وعباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا اقترق الضوء معهما رواه ‏البخاري وغيره، وخرجت أم أيمن مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما ‏كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فاذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت ‏منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها، وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرَ الأسدَ ‏أنه رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه الأسد حتى أوصله إلى مقصده، وخالد بن الوليد ‏حاصر حصنا فقالوا: لا نسلم حتى تشرب السم، فشربه فلم يضره، وعمر رضي الله عنه نادى سارية ‏من المنبر والقصة مشهورة، ومثله كثير‎ ‎

ومثل ما جرى لأبي مسلم الخولاني الذي مشى هو ومن معه من العسكر على دجلة وهي ترمى ‏بالخشب من مدها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا حتى أدعوا الله فيه، فقال ‏بعضهم: فقدت مخلاة فقال: اتبعني فاتبعه فوجدوها قد تعلقت بشىء فأخذوها، وطلبه الأسود العنسي ‏الذي ادعى النبوة فقال له: أشهد أني رسول الله فقال: ما أسمع، فأمر بنار فألقي فيها فوجده قائما ‏يصلي وقد صارت بردا وسلاما، قال عمر رضي الله عنه حين علم بذلك: الحمد لله الذي لم يمتني ‏حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بابراهيم خليل الله، وكذلك وصلة ‏بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ منة ودعا الله سبحانه فأحياه له، ‏فلما وصل الى بيته قال: يا بني خذ سرج الفرس فإنّه عارية، فأخذ سرجه فمات (أي الفرس)، وكان ‏سعيد بن المسيب في أيام الحرة يسمع الأذان من قبر النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة وكان ‏المسجد قد خلا فلم يبق غيره، وكان إبراهيم التميمي يقيم الشهر والشهرين لا يأكل شيئا، وكان ‏عبدالواحد بن زيد أصابه الفالج فسأل ربه سبحانه أن يطلق له أعضاءه وقت الوضوء و الصلاة، فكانت ‏تطلق له أعضاؤه. ثم نذكر ما حصل أيضا لعبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه رجع من سفر كان فيه ‏مرة فوجد جماعة على الطريق فقال: ما هذه الجماعة، فقالوا: الأسد قد قطع الطريق عليهم فنزل عن ‏دابته ومشى اليه فأخذ بأذنه ونحاه عن الطريق، ولا يخفى ما وقع للامام علي الرضا ابن الامام ‏موسى الكاظم حيث روي أن المتوكل أمر خدام السباع أن يجوعوا منها ثلاثة ويحضروهم إلى قصره ‏ففعلوا وقعد هو في المنظرة مع أصحابه وأغلق الدرج، وبعث إلى الإمام علي الرضا حتى يحضر ‏وأمر أنه إذا دخل من باب القصر يغلق الباب، فلما دخل أغلق الباب ودخل بين السباع وقد أصمت ‏بزئيرها الأسماع فلما مشى في الحصن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكتت وما سمع لها حس ‏حتى تمسحت به ودارت حوله وهو يمسح رءوسها بكمه ثم ضربت السباع بصدرها الأرض ‏وربضت، فما هاجت ولا زأرت حتى صعد الدرجة وتحدث عند المتوكل مليا ثم نزل ففعلت السباع ‏كفعلها الأول وربضت وما سمع لها حس ولا زئير حتى خرج الإمام رضي الله عنه، وقال أويس ‏القرني لهرم بن حيان حين سلم عليه: "وعليك السلام يا هرم بن حيان" ولم يكن رءاه قبل ذلك، وهذا ‏من باب الكشف وهو من الكرامات.‏‎ ‎

ولا يخفى ما حصل لشيخ العريجا السيد الجليل أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ما أخبر به الامام ‏الرافعي من أن امرأة وضعت بنتا لها حدباء، فلما كبرت وءان أوان مشيها اذا بها عرجاء، ثم سقط ‏شعر رأسها لعاهة، ففي يوم من الأيام حضر السيد أحمد الكبير محلة الحدادية حيث البنت‎ ‎‏ فاستقبله أهلها والعرجاء فاطمة بين الناس وبنات الحدادية يستهزئن بها، فلما أقبلت قالت للسيد أحمد ‏رضي الله عنه: أي سيدي أنت شيخي وشيخ والدتي وذخري أشكو اليك ما أنا فيه لعل الله ببركة ‏ولايتك وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعافيني مما أنا فيه فقد زهقت (تعبت) روحي ‏من استهزاء بنات الحدادية. فأخذته الشفقة عليها وبكى رحمة لحالها ثم ناداها: ادني مني فدنت منه ‏ووضع شيئا من ردائه عليها ومسح بيده المباركة على رأسها وظهرها ورجليها فنبت بإذن الله ‏شعرها وذهب احديدابها وتقومت رجلاها وحسن حالها. وكراماته كثيرة رضي الله عنه.‏‎ ‎

وفي هذا القدر كفاية لبلوغ المقصود ونيل المرام ولو أردنا الزيادة لأطلنا.‏‎ ‎