أخلاق النبي العظيمة وشرفه و رفعته

[Index/ خريطة موقع الدروس ]


الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم و الملائكة المقربين على سيدنا محمد سيد المرسلين و على جميع إخوانه من النبيين و المرسلين و ءال كل و صحب كل أجمعين.

 

أما بعد فإن الله عز و جل قد كرم النبي محمدا صلى الله عليه و سلم و كرم أمته و رفع قدرها فوق الأمم السابقة فقال تعالى في القرءان الكريم:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، و ما ارتفعت هذه الأمة إلا بنبيها و ما شرفت إلا به لذلك كان الإعتناء بمولد هذا النبي الكريم و ما ظهر من الآيات عند ذلك و ما أعطاه الله من المواهب و الشمائل من مهمات الأمور إذ يزداد المؤمن بذلك تعظيماً و معرفة بفضله صلى الله عليه و سلم فالله عز و جل شرف نبيه المصطفى بآيات كثيرة منها ما يدل على مكارم أخلاقه و شرف حاله صلى الله عليه و سلم و هو قوله تعالى:{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }، و من الآيات ما أبان الله سبحانه و تعالى به علو شرف نسبه صلى الله عليه و سلم و عظيم قدره بقوله عز و جل:{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، و منها ما كشف عن ثناءه تعالى عليه صلى الله عليه و سلم في كتبه المنزلة على أنبياءه و هو قوله عز و جل:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }، و منها ما أوضح سبحانه أنه صلى الله عليه و سلم مقدم على النبيين و ذلك في قوله عز و جل:{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}، و من الآيات ما يدل على وجوب إحترامه صلى الله عليه و سلم و توقيره و إجلاله كقوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، و قوله تعالى:{ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً} و منها ما يدل على دوام تعظيمه صلى الله عليه و سلم بعد وفاته و هو أنه تعالى جعل أزواجه الكريمات أمهات المؤمنين قال الله تعالى:{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، و قال عز و جل:{ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً}.


 و الرسول صلى الله عليه و سلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم ابن عبد مناف القرشي أبو القاسم سيد ولد ءادم صلى الله عليه و سلم و جده الأعلى عدنان من سلالة إسماعيل نبي الله ابن نبي الله إبراهيم خليل الرحمن صلى الله على سيدنا محمد و على جميع إخوانه من الأنبياء و المرسلين فهو صلى الله عليه و سلم صاحب هذا النسب الشريف نخبة بني هاشم و عظيمها، روى الإمام مسلم و غيره عن واثلة ابن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل و اصطفى قريشاً من كنانة و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم"، فهو عليه الصلاة و السلام خيار من خيار من خيار كما دلت عليه النقول و الآثار تزوج أبوه عبد الله من سيدة نساء بني زهرة و هي ءامنة بنت وهب فحملت بسيد الخلائق و الأمم و تفضل الله بإبرازه صلى الله عليه و سلم إلى الوجود نعمة على سائر العرب و العجم و كان حمله الشريف أول تباشير الأنوار لأهل البادية و الحضر و روى ابن سعد عن عمة يزيد أنها قالت: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حملت به ءامنة بنت وهب كانت تقول ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي و ربما كانت ترفعني و تعود و أتاني ءات و أنا بين النائم و اليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت، فكأني أقول: ما أدري، فقال: إنك حملت بسيد هذه الأمة و نبيها و ذلك يوم الإثنين، قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل ثم أمهلني حتى إذا دنا وقت ولادتي أتاني ذلك الآت فقال: قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد، قالت: فكنت أقول ذلك. و روى أحمد و البيهقي و غيرهما عن العرباض ابن سارية رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" إني عبد الله و خاتم النبيين و أن ءادم لمنجدل في طينته و سأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى بي و رؤيا أمي التي رأت و كذلك أمهات النبيين يرين"،  و إن أم رسول الله صلى الله عليه و سلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام، قال البيهقي عقب هذا الحديث: قوله صلى الله  عليه و سلم " إني عبد الله و خاتم النبيين و إن ءادم لمنجدل في طينته" يريد به أنه صلى الله عليه و سلم كان كذلك في قضاء الله و تقديره قبل أن يكون أبو البشر و أول الأنبياء صلوات الله عليهم. و روى ابن سعد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" رأت أمي حين وضعتني سطع منها نورٌ أضاءت له قصور بصرى"، و يروى أنه صلى الله عليه و سلم حين وضعته ءامنة وقع جاثياً على ركبتيه رافعاً رأسه إلى السماء و خرج معه نورٌ أضاءت له قصور الشام حتى رأت أمه أعناق الإبل ببصرى، و أما قوله عليه الصلاة و السلام " دعوة أبي إبراهيم " فهو أن إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت دعا ربه فقال ( رب اجعل هذا بلداً ءامناً و ارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله و اليوم الآخر)، ثم قال ( ربنا و ابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم ءاياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)، فاستجاب الله تعالى دعاءه في نبينا صلى الله عليه و سلم و جعل محمداً الرسول الذي سأله إبراهيم عليه السلام و أما قوله صلى الله عليه و سلم " و بشرى عيسى ابن مريم" فهو أن سيدنا عيسى عليه السلام بشر قومه بسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم كما أخبر القرءان الكريم حكاية عن عيسى عليه السلام { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}، و من الآيات التي ظهرت لمولده صلى الله عليه و سلم أن الشياطين رميت و قذفت بالشهب من السماء و حجب عنها خبر السماء كما ذكر ذلك بعض العلماء لكن المشهور و المحفوظ أن قذف الشياطين بالشهب عند مبعثه صلى الله عليه و سلم و منها أن إبليس حجب عن خبر السماء فصاح و رن رنة عظيمة كما رن حين لعن و حين أخرج من الجنة و حين ولد النبي صلى الله عليه و سلم و حين نزلت الفاتحة، ذكر ذلك الحافظ العراقي في المورد الهني عن بقي ابن مخلد و منها ما سمع من أجواف الأصنام و من أصوات الهواتف بالبشارة بظهور الحق في وقت الزوال. و روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ولد النبي صلى الله عليه و سلم عام الفيل. أما شهر مولده صلى الله عليه و سلم فهو شهر ربيع الأول و أما يوم مولده من الشهر فالمعتمد أنه كان لثنتي عشرة خلت من الشهر المذكور و أما يوم مولده فهو يوم الأثنين بلا خلاف، فقد روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم الأثنين فقال:" ذاك يومٌ ولدت فيه و أنزل علي فيه"،  و أما مكان مولده فالصحيح المحفوظ أنه كان بمكة المشرفة و الأكثر أنه كان في المحل المشهور بسوق الليل و قد جعلته أم هارون الرشيد مسجداً ، ذكر ذلك الحافظ العراقي و غيره و يعرف المكان اليوم بمحلة المولد. نسأل الله تبارك و تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا و يرزقنا رؤية الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم و ءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.