مواقع اخرى خدمات الصور الإسلامية فرق منحرفة المكتبة الصوتية
English  Francais  أهل السنة

الإمام الرفاعي رضي الله عنه

الإمام الرفاعي رضي الله عنه




إنَّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونَستعينهُ ونَستهديهِ ونَشكرهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهد الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضد ولا نِدَّ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائِدَنا وقرةَ أعيُنِنَا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيهُ وحبيبهُ صلى الله عليه وسلم وعلى كل رسولٍ أرسلَهُ.



أما بعد فيا عبادَ الله أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله العلي العظيمِ القائلِ في محكمِ التنْزيل: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ{ [سورة فصّلت].



إخوةَ الإيمانِ: الكَيِّـسُ من خافَ ربهُ ودانَ نفسهُ وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، أخي عليك بملازمةِ الشرعِ بأمرِ الظاهرِ والباطِنِ، وبحفظِ القلبِ من نسيانِ ذكرِ الله، وبخدمةِ الفقراءِ، وبادرْ دائمًا بالسرعةِ للعملِ الصالحِ من غير كَسَلٍ ولا مللٍ. همةُ أبناءِ الدُّنيا دُنياهُم وهمةُ أبناءِ الآخرةِ ءاخرَتُهُم.



بمثلِ هذه العباراتِ الجميلةِ العظيمةِ كان يعِظُ أحبابَهُ، إنه أعلمُ أهلِ زمانهِ، حتى لقد قيلَ فيه إنه بلغَ درجةَ الاجتهادِ المطلقِ، شافعيُّ المذهبِ أشعريُّ العقيدةِ، كان يُضربُ به المثلُ في التواضعِ ولينِ الجانبِ ورحمةِ الناسِ والشفقةِ عليهم، كان متمكنًا في الدينِ سهلا على المسلمينَ صعبًا على الضالينَ هينًا لينا، هَشًّا بشًا لَيّنَ العَرِيكةِ، كريمَ الخُلُقِ حلوَ المكالمةِ لطيفَ المعاشرةِ، لا يملهُ جَليسُهُ، ولا ينصرفُ عن مَجَالِسِهِ إلا لعبادةٍ، حمولا للأذى، وفيًّا إذا عاهَدَ صبورًا على المكارهِ، أولياءُ عصرهِ كانوا يقولونَ عنه إنه أجلُّ الأولياءِ قدرًا، بحرًا من بحارِ الشرعِ، سيفًا من سيوفِ الله، وارثًا أخلاقَ جدهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.



هو أبو العباسِ القطبُ الغوثُ الجامعُ الشيخُ السيدُ أحمدُ بنُ عليٍ الرفاعيُّ الحسينيُّ رضيَ الله عنه وأرضاهُ، كان له خالٌ من الأولياءِ يقالُ له الشيخُ منصورٌ البطائحيُّ رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في المنامِ فقال له: بَشِّـر أختَكَ بأنها ستحملُ بعد أربعينَ ليلة بولدٍ يكون سيدَ الأولياءِ كما أنا سيدُ الأنبياءِ.



فحملتْ به أمهُ بعد أربعينَ ليلةً ثم ولدتهُ، ونشأَ نشأةً صالحةً طيبةً حتى صارَ أتقى أهلِ زمانهِ وأعلمَهُم بالقرءانِ الكريمِ والحديثِ الشريفِ. جلسَ يومًا على كرسيِ الوعظِ فنَزلتِ الرحمةُ ورقتِ القلوبُ فأسلمَ ثمانيةُ ءالافٍ لأنه كان يحضرُ في مجلسهِ خلقٌ كثيرٌ من المسلمينَ ومن غير المسلمينَ كاليهودِ والصابئةِ عبدةِ الكواكبِ، فأسلمَ في ذلك اليومِ ثمانيةُ ءالافٍ وتابَ خلقٌ كثيرٌ من جُهَّالِ المسلمينَ الغافلينَ، أربعونَ ألفًا منهم تابوا، ومات خمسةُ أشخاصٍ من شدةِ ما أصابَهُم من الخشيةِ من الله.



وكان سيدُنا أحمدُ رضيَ الله عنه يبيتُ كلَّ يومٍ في زاويتهِ عشرونَ ألفَ نفسٍ، هو يكفيهِم نفقاتِهِم ببركةٍ أعطاهُ الله إياها، وهذا لم يحصل لغيرهِ من أولياءِ الله، وفي يومٍ من السنةِ يجتمعُ عنده مائةُ ألفِ نفسٍ هو يكفيهم ـ بسرٍ أعطاهُ الله إياهُ ـ طعامَهُم وشرابَهُم.



وكان رضيَ الله عنه يُسمَّى أبا العَلَمينِ لأنه حَمَلَ لواءَ الغوثيةِ مرتينِ، ويُسمى شيخَ العريجاءِ لأنه مرةً ذهبَ إلى قريةٍ له فيها أتباعٌ من أهلِ طريقتهِ، فاستقبَلَهُ الرجالُ والنساءُ، وكان فيما بينهم بنتٌ صغيرةٌ حدباءُ عرجاءُ قرعاءُ وكانت تسمعُ من أمها به؛ لأن أمها كانت من جماعته وأتباعه، فلما رأتِ الشيخَ قالت: "سيدي، بناتُ القريةِ يستهزئْنَ بي، فكرهتُ نفسي من ذلك"، فدعا لها ومسحَ مواضِعَ العِلّةِ، فاستقامَ ظهرُها وتعافت رجلُها ونبتَ شعرُها في الحالِ.



كان رضيَ الله عنه إذا وعظَ يسمعُه ثلاثُ قُرًى يصعدونَ على سُطوحهِم فيسمعونَهُ، حتى الأصمّ يسمعُه لما يكون في مجلسهِ ولا يسمعُ سوى كلامه رضي الله عنه.



وكان رضيَ الله عنه يهتمُّ بالتوحيدِ، ومن مقالاتهِ المشهورةِ "غايةُ المعرفةِ بالله الإيقانُ بوجودهِ تعالى بلا كيفٍ ولا مكانٍ".



وكان يحذرُ من الذين يدّعونَ التصوفَ ويقولونَ الله يدخلُ في العالمِ، أو يقولونَ الله والعالمُ شىءٌ واحدٌ والعياذُ بالله.



ويحذّرُ من صوفيةِ الرّجسِ أدعياءِ الولايةِ وهم غير صادقينَ، فيقول: أي بُنَيَّ: أكثرُ من يدّعي التصوّفَ اليومَ زنادقةٌ وحلوليةٌ ومبتدعةٌ.



وكان رضيَ الله عنه يحصلُ لأتباعهِ الكثيرُ من الكراماتِ والعجائبِ، كانوا يدخلونَ النارَ فلا تُحرِقُهُم بسرهِ رضيَ الله عنه، وذللَ الله لهم الثعابينَ والسباعَ.



ومن كراماتهِ الباهرة والشهيرة، بل المتواترة: أنه عامَ حجهِ الأولِ سنةَ خمسٍ وخمسينَ وخمسمائةٍ للهجرة، لما وصلَ المدينةَ المعطرةَ وتشرفَ بزيارةِ جدهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقفَ تُجاهَ القبرِ الشريفِ وقال: "السلامُ عليك يا جدي"، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من القبرِ من قبرهِ الشريفِ: "وعليك السلامُ يا ولدي". سَمِعَ ذلك كل من في الحرمِ النبويِ، فسقطَ السيدُ أحمدُ على الأرضِ يَرْعَدُ، فنوديَ من القبرِ الكريمِ على ساكنهِ أفضلُ الصلواتِ والتسليمِ: أَنْ قُمْ، فإني ءاخذٌ بيدِكَ وبيدِ ذُريتِكَ وأتباعِكَ ومُحبيكَ في الدنيا ويومِ القيامةِ" فقامَ الرفاعيُّ رضيَ الله عنه وأنشدَ:



في حالةِ البعدُ روحي كنتُ أُرسِلُها *** تقبّلُ الأرضَ عني وهْي نائبتي



وهذه دولةُ الأشباحِ قد حضرتْ *** فامدُدْ يمينكَ كي تحظَى بها شَفَتي



فبدأتِ الأنوارُ في المقامِ تتلاطمُ ومد جده عليه الصلاةُ والسلامُ يدَهُ، فقبلهَا الرفاعيُّ والحاضرونَ ينظرونَ، وفيهم أكابرُ الوقتِ كالإمام عبدِ القادر الجيلاني، وحياةِ بن قيسٍ الحراني، وعَدِيّ بن مُسَافِر، وغيرُهم وغيرُهم، وأنشد لسان الحال:



أبا العلمينِ أنتَ الفردُ لكن إذا حُسِبَ الرجالُ فأنتَ حِزْبُ



وقال فيه الشيخُ عبدُ القادرِ الجيلانيُّ رضيَ الله عنه:



هذا الذي سبقَ القومَ الأُلى وإذا رأيتَهُ قلت هذا ءاخِرُ الناسِ



اللهم أمدنا بمددٍ من نبيكَ وحبيبكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وبمددٍ من سيدنا أحمدَ الرفاعيِ رضيَ الله عنه.



هذا وأستغفر الله لي ولكم.





الخُطبةُ الثانيةُ



إنَّ الحمدَ للَّهِ نَحمَدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْد الله فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله.

عبادَ الله أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى الله العَليّ العظيمِ القائل في كتابه الكريم: }وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{ [سورة الأنعام].



الله تعالى موصوفٌ بعلمٍ أزليّ أبديّ لا يتغيّرُ فهو عالمٌ بكلّ شىءٍ قبلَ حصولهِ، الله تعالى يعلمُ الصادقَ صادِقًا ويعلمُ الكاذِبَ كاذبًا، لذلك إخوةَ الإيمانِ نحذّركم اليومَ من عبارةٍ انتشرت بين بعض الناسِ عُمومًا وبين بعض التجّارِ خُصوصًا، فمن حدّثَ حديثًا كذِبًا وهو يعلمُ أنّه كذِبٌ فقال: "الله شهيدٌ على ما أقولُ" بقصدِ أنّ الله يعلمُ أنّ الأمرَ كما قلتُ هذا خرجَ من دينِ الله؛ لأنّه نَسَبَ الجهلَ للَّهِ تعالى، لأنّ الله يعلمُ أنّه كاذبٌ ليس صادقًا، أي وكأنّه يقولُ إنّ الله يشهدُ على كلامي أنّه صِدقٌ مع العلمِ أنّه كذبٌ، والعياذُ بالله تعالى.



فبعض التجّارِ إذا ما سُئِلَ عن سِعْرِ بضاعةٍ يقولُ بعشَرةِ ءالافٍ مثلًا، فيطلبُ منه المشتري أو الزبونُ تخفيضَ السعرِ إلى تسعةِ ءالافٍ مثلا، هنا إذا التاجرُ قالَ أُشهدُ الله أو الله شهيدٌ على أنني اشتريتُها بتسعةِ ءالافٍ وهو يعلم أنه يكذبُ؛ لأنّه اشتراها بأقلَّ، هنا خرجَ من دينِ الله، كفرَ والعياذُ بالله تعالى، أما مجرّدُ الحلِفِ بالله كذبًا حرامٌ وليس كفرًا، يعني مجرّدُ أن يقولَ والله اشتريتُها بتسعةِ ءالافٍ وهو اشتراها بأقلَّ، مجرّدُ أن يقولَ: والله وهو يكذبُ هذا حرامٌ وليس كفرًا وبئس التاجر من يبيع سلعته بالحلف الكاذب، فهذا مرتكب لمعصية كبيرةٍ، وهو من أسباب البلاء في الأسواق التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها شر بقاع الأرض. فهذا الذي يحلف بالله كاذبًا، وإن لم يكن وقع في الكفر، لكنه وقع في ذنب كبير لا يستهان به، قد يقوده ـ من شؤمه ـ إن لم يتب عنه إلى الوقوع في ذنب أكبر ومحظور أخطر كأن يشهد الله على ما يعلم أنه كذبٌ غيرُ صحيح، فيقع في الكفر، لأن لسانه قد اعتاد الحلف الكاذب.



وليتذكر التجار أن التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فمن قالَ الله شهيدٌ أنّي ما عمِلتُ كذا وهو يعلمُ أنّه قد عملَ ذلك الشىءَ يكفرُ لأنّه نسبَ الجهلَ إلى الله، وأمّا إن كان ناسيًا أنّه عملَ ذلك الشىءَ أو كان يظُنّ أنّ الأمرَ كذلك فطلعَ على خلافِ ظنّهِ فقال الله شهيدٌ أنّي ما عملتُ ذلك الشىءَ فلا يكفُر لأنّه لم ينسُبِ الجهلَ إلى الله، لذلك أخي المسلم لا تُعوّد لسانكَ على هذه الكلمةِ في غير مَوضِعها.



واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيه الكريم فقال }إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {اللهمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{.



اللهمَّ إنَّا دعوناك فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللهمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا اللهمَّ اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ربنَا ءاتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهمَّ استر عوراتِنا وءَامِن رَوعاتِنا واكفِنا ما أهمَّنا وقِنا شرَّ ما نتخوف.



عباد الله }إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{[سورة النحل] وأقم الصلاة.


مواضيع ذات صلة

<<< الدرس المقبل

الدرس السابق >>>