مواقع اخرى خدمات الصور الإسلامية فرق منحرفة المكتبة الصوتية
English  Francais  أهل السنة

قصة رحمة بنت إبراهيم وقصة ولي من حلب - الجزء الثاني

قصة رحمة بنت إبراهيم وقصة ولي من حلب (الجزء الثاني)




وكان حضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي(1) وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة(2) وكهل له عبادة ورواية للحديث، وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن، وكان يحلف أصحاب المظالم بناحيته(3) فسألتهم عنها فأحسنوا الثناء عليها وقالوا عنها خيرا وقالوا إن أمرها ظاهر عندنا فليس فينا من يختلف فيها، قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن: أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة(4) ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي بالاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا وعفافا(5) ولم أعثر لها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس، وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال(6) كانوا فيما خلا يستحضرونها ويحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقون عليها(7) ويوكلون من يراعيها(8) فلا يرونها تأكل ولا تشرب، ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها(9) ويكسونها(10) ويخلون سبيلها(11) فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها قصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله، فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معاشة من عمل يده، يأتيه رزقه يوما فيوما(12) لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأنها ولدت له عدة أولاد، وجاء الأقطع ملك الكفار إلى القرية فعبر الوادي عند جموده إلينا في زهاء ثلاثة ءالاف فارس(13) وأهل خوارزم يدعونه كسرى.



قال أبو العباس: والأقطع هذا كان كافرا غاشما(14) شديد العداوة للمسلمين(15) قد أثر على أهل الثغور(16) وألح على أهل خوارزم بالسبي والقتل والغارات وكان ولاة خراسان يتألفونه وأشباهه من عظماء الأعاجم ليكفوا غاراتهم عن الرعية ويحقنوا دماء المسلمين(17) فيبعثون إلى كل واحد منهم بأموال وألطاف كثيرة وأنواع من فاخر الثياب(18) وإن هذا الكافر استاء في بعض السنين على السلطان، ولا أدري لم ذاك، هل استبطأ المبار عن وقتها أم استقل ما بعث إليه في جنب ما بعث إلى نظرائه من الملوك(19) فأقبل في جنوده واستعرض الطرق(20) فعاث وأفسد وقتل ومثل فعجز عن خيول خوارزم، وبلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر رحمه الله، فأنهض(21) إليه أربعة من القواد: طاهر بن إبراهيم بن مالك، ويعقوب بن منصور بن طلحة، وميكال مولى طاهر، وهارون العارض وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع، فحموا الحريم بإذن الله تعالى، ثم إن وادي جيحون وهو الذي في أعلى نهر بلخ جمد لما اشتد البرد، وهو واد عظيم شديد الطغيان(22) كثير الآفاق(23) وإذا امتد كان عرضه نحوا من فرسخ وإذا جمد انطبق فلم يوصل منه إلى شئ حتى يحفر فيه كما تحفر الآبار في الصخور وقد رأيت كثف الجمد عشرة أشبار، وأخبرت أنه كان فيما مضى يزيد على عشرين شبرا وإذا هو انطبق صار الجمد جسرا لأهل البلد تسير عليه العساكر والعجل(24) والقوافل فينتظم ما بين الشاطئين، وربما دام الجمد مائة وعشرين يوما، وإذا قل البرد في عام بقي سبعين يوما إلى نحو ثلاثة أشهر.



قالت المرأة: فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم وصحبوا المسلمين وأضروا بهم فحصر من ذلك أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل(25) دون أن تتوافى عساكر السلطان وتتلاحق المتطوعة، فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح(26).











(1) أي كان في هذا المجلس عالم اسمه محمد بن حمدويه.

(2) موسى بن هارون كان أخذ عن هذا الفقيه علم الحديث، معناه أنه كان من علماء علم الحديث.

(3) أي أن كان موظفا يحلف أصحاب الشكاوى.

(4) أي منذ الصغر.

(5) أي ما رأيت منها إلا شيئا حسنا.

(6) أي الحكام.

(7) يعني يحبسونها في مكان الشهر والشهرين وأكثر من ذلك حتى يتحققوا أنها لا تأكل ولا تشرب.

(8) أي يوكلون من يراقب هل يأخذ لها احد طعاما وشرابا.

(9) أي يحسنون إليها.

(10) أي يعطونها اللباس.

(11) أي يتركونها.

(12) أي كان يحصل مصروف يوم ثم مصروف اليوم الذي بعده، كل يوم بيومه.

(13) أي في قدر ثلاثة ءالاف مقاتل جاء إليهم لما كان النهر جمد في الشتاء، لأن هذا النهر في الشتاء يصير جامدا مثل الأرض يمشى عليه.

(14) أي شديد الظلم.

(15) أي يكره المسلمين جدا.

(16) أي على أهل المواضع التي تلي جهة الكفار.

(17) أي كانوا يصادقونه حتى لا يعمل هجوما فيقتل المسلمين، ليحفظوا دماء المسلمين.

(18) أي كانوا يعطونهم من الأموال حتى يكفوا شرهم عن المسلمين.

(19) معناه أن هذا الكافر استاء إما لأنه انقطع عنه ما كانوا في الأول يعطونه إياه أو استقل فقال: كيف اعطوني هذا القدر القليل، لهذا جاء إليهم.

(20) أي منع الناس من المرور.

(21) أي أرسل إليه أربعة من القواد.

(22) أي يتلف الزرع.

(23) أي كثير النواحي.

(24) أي الحمول.

(25) أي الحاكم.

(26) معناه أن المسلمين كانوا مستعدين للقاء هذا الكافر، ثم بعض الشباب تحمسوا فتقدموا إليه لضربه.


مواضيع ذات صلة

<<< الدرس المقبل

الدرس السابق >>>