مواقع اخرى خدمات الصور الإسلامية فرق منحرفة المكتبة الصوتية
English  Francais  أهل السنة

التعفُّــف

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ سورة الحشر .

كلامنا اليوم إخوة الإيمان، عن موضوع بالغ الأهمية وقلّ من الناس من يتكلم فيه وقلّ من الناس من يحث بعضهم البعض عليه بل يدفعون بعضهم البعض على عكسه. كلامنا اليوم عن التعفف.

فاسمعوا معي كيف مدح القرءان العظيم أهل الصفة من تعففهم حيث قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍفَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ البقرة/273.

هؤلاء الذين تعفّفوا عن السؤال، تعفّفوا عن المسألة، تعفّفوا عن الطلب، عن طلب المال من الناس فيحسبهم من لا يعرف حالهم أغنياء لإظهارهم التجمل وتركهم المسألة أي طلب المال.

فمن هؤلاء إخوة الإيمان ، أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يغشى عليه من شدة ألم الجوع ولم يلجأ إلى أكل مال الحرام.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع" (تخيل معي أخي المؤمن صاحبًا من أصحاب محمد من خيرة اصحاب محمد يعتمد بكبده على الأرض من الجوع).

قال رضي الله عنه: "وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه (أي ليدعوه أحدهم) فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فتبسّم حين رءاني وعرف ما في وجهي وما في نفسي ثم قال: أبا هر قلت لبيك يا رسول الله" (الفقير الجائع الذي يعتمد بكبده على الأرض رسول الله يتلطف به ويقول له أبا هر وهو مع جوعه وألمه يقول لبيك يا رسول الله).

"قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إلحق، ومضى فاتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت فوجد لبنًا (أي حليبًا) في قدح فقال رسول الله: من أين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة قال: أبا هر، قلت لبيك يا رسول الله، قال إلحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك" (أي قد لا يطلع لي) "فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة" (يعني أبو هريرة أن هذا اللبن قليل جدًا بالنسبة لأهل الصفة وكان عددهم قريب الـ200) "قال كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدّ " (أي لا بد من طاعة الله وطاعة رسول الله).

قال رضي الله عنه: "فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا واستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم، قال : فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم" (فهذا من معجزات محمد، هذا من بركات محمد صلوات ربي وسلامه عليه).

قال أبو هريرة: "فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد عليّ القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال أبا هر، قلت لبيك يا رسول الله، قال بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق لا اجد له مسلكًا، قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله تعالى وسمى وشرب الفضلة" صلى الله عليه وسلم.

فيا أخي المؤمن، ارفع نفسك بالتقوى فإن عزها بتقوى الله ولا تعطِ نفسك هواها فإن شفاءها بمخالفتها فإن كنت ممن لا تستحق الصدقة لا تطلبها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا تحل المسألة لغني ولا لذي مِرّة سوي".

لا تحل الشحاذة لمكتف ولا لشخص قوي يستطيع الكسب، وإن كنت ممن تستحق فخير لك أن لا تسأل. وقد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم إيثار الغير من إخوانهم على أنفسهم .

ولقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الله يحب العفيف المتعفف ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف الذي إن أعطي كثيرًا أفرط في المدح وإن أعطي قليلاً أفرط في الذمّ ".

فيا أخي المؤمن عود نفسك القناعة، اقنع بما قسمه الله لك في أمر الزوجة والنفقة والمسكن ولا تنظر إلى من هو أعلى منك في أمر الدنيا بل انظر إلى من هو دونك تحمد الله على ما أنت فيه. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: "القناعة كنْز لا يفنى" أي كأنها لا تفنى .

فكم وكم من أشخاص يأكلون المال الحرام باسم الفقر وباسم الحاجة وهم ليسوا من أهل الحاجة، فقد وجد في متاع صحابي ديناران من ذهب وكان هو ممن يأخذ الصدقة فقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيتان من نار". وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ءاخر: "كلُّ لحمٍ نبت من سُحْتٍ فالنار أولى به".

اللهم جنبنا الحرام وارزقنا التقى والغنى والعفاف والعفة والتعفف يا أرحم الراحمين يا رب العالمين يا الله.

هذا وأستغفر الله لي ولكم



الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مع يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم، فليتق الله كل واحد منا وليؤثر الآخرة وليؤثر ما يبقى على ما يفنى وليكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

لا تعلّق قلبك في مستقبلك من حيث المعيشة والمال لأن المستقبل علمه عند الله، فقد يستقبل الرجل يومًا لا يستكمله وقد يستقبل ليلة لا يستدبرها، فالدنيا إلى الزوال.

روي "أن عيسى بن مريم عليه السلام صحبه رجل وقال: يا نبي الله أكون معك، فانطلقا فانتهيا إلى شط نهر فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة فأكلا رغيفين وبقي رغيف فقام عيسى عليه السلام إلى النهر فشرب منه ثم رجع فلم يجد الرغيف فقال للرجل من أخذ الرغيف؟ قال لا أدري، فانطلق ومعه الرجل فرأى ظبية (غزالة) ومعها ولدان لها فدعا واحدًا فأتاه فذبحه واشتوى منه فأكل هو وذلك الرجل ثم خاطب عيسى عليه السلام الظبي بعد أن ذبحه وأكلا منه وقال له: قم بإذن الله عز وجل فقام، فقال للرجل أسألك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ قال لا أدري، فانطلقا حتى انتهيا إلى مفازة (فلاة) فجمع عيسى صلى الله عليه وسلم ترابًا وكثيبًا (أي رملاً) ثم قال له كن ذهبًا بإذن الله عز وجل، فصار ذهبًا، فقسّمه ثلاثة أقسام فقال ثلث لي وثلث لك وثلث للذي أخذ الرغيف فقال أنا الذي أخذت الرغيف، فقال له سيدنا عيسى عليه السلام: كله لك وفارقه.

فانتهى لهذا الرجل الذي أخذ الذهب رجلان أرادا أن يأخذا منه الذهب ويقتلاه فقال لهما هو بيننا أثلاثًا فقبلا ذلك فقال يذهب واحد إلى القرية حتى يشتري لنا طعامًا فذهب واحد واشترى طعامًا وقال في نفسه: لأي شىء أقاسمهما في هذا المال؟ أنا أجعل في هذا الطعام سُمًا فأقتلهما وءاخذ هذا المال جميعه فجعل في الطعام سُمًا، وقالا فيما بينهما لأي شىء نجعل له الثلث؟ إذا رجع إلينا قتلناه واقتسمنا المال نصفين، فلما رجع إليهما قتلاه ثم أكلا الطعام المسموم فماتا، فبقي ذلك المال، بقي الذهب في المفازة (الفلاة) وأولئك الثلاثة قتلى عنده، فمر عليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وهم على تلك الحال، فقال لأصحابه: هذه الدنيا فاحذروها".

اللهم جنبنا الحرام وارزقنا التقى والغنى والعفاف والعفة والتعفف يا أرحم الراحمين .

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ سورة الأحزاب، اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ سورة الحج، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.

عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

مواضيع ذات صلة

<<< الدرس المقبل

الدرس السابق >>>