مواقع اخرى خدمات الصور الإسلامية فرق منحرفة المكتبة الصوتية
English  Francais  أهل السنة

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (35)

بسم الله الرحمن الرحيم



زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم



رَوَى البُخَارِيُّ في صَحيحِهِ مِنْ حَديثِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلى حَوْضِي" قَالَ ابنُ حَجَرٍ: "قَوْلُهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ مِنْ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ مِمَّا يَحْصُلُ مِنْ مُلازَمَةِ حَلَقِ الذِّكْرِ لا سِيَّمَا في عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ تَشْبِيهًا، أَوِ الْمَعْنى أَنَّ الْعِبَادَةَ فيها تُؤَدِّي إِلى الْجَنَّةِ فَيَكُونُ مَجَازًا، أَوْ هُوَ عَلى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوْضَةٌ حَقيقِيَّةٌ بِأَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِعَيْنِهِ في الآخِرَةِ إِلى الْجَنَّةِ" اهـ. وَالرَّوْضَةُ هِيَ مَكَانٌ في مَسْجِدِ النَّبِِيِّ صلى الله عليه وسلم بينَ بَيْتِهِ وَمِنْبَرِهِ، وفي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَديثِ "مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنبرِي رَوضةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ" وَقَبْرُهُ صلَّى الله عليه وسلم في بيتِ عائِشَةَ حَيْثُ دُفِنَ، وَقَوْلُهُ علَيهِ السَّلامُ "وِمِنْبَري عَلَى حَوْضي" الْمُرَادُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذي كَانَ في الدُّنْيا سَيُعادُ في الآخِرَةِ وَيُوضَعُ على الْحَوْضِ، وَحَوْضُ النَّبِيِ هُوَ مَكَانٌ يُصَبُّ فيهِ مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ مِنَ الْجَنَّةِ يَشْرَبُ مِنْهُ الْمُؤمِنُونَ مِنْ أُمَّتِهِ عليهِ السلامُ قبلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فلا يَظْمَأُونَ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَشْرَبُونَ تَلذُّذًا وَماءُ هَذا الحوضِ أبْيضُ مِنَ الثَّلْجِ وأحْلى منَ الْعَسَلِ، وَهَذِه صِفَةُ ماءِ نَهْرِ الْكَوْثَرِ وَالَّذي هُوَ نَهْرٌ دَاخِلَ الجَنَّةِ أعْطَاهُ اللهُ لِنَبيِّنا صلى الله عليه وسلم تُرَابُهُ مِسْكٌ.



وَرَوى الدَّارقُطْنِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ "مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي" وَرَوَاهُ أَيْضًا الْحَافِظُ السُّبْكِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَمْعَناهُ أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وكَانَ مُسْلِمًا وَمُخْلِصًا في نِيَّتِهِ للهِ تعالى فإِنَّهُ يَحْظَى في الآخِرَةِ بِشَفاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَفَاعَةَ إِنْقاذٍ مِنَ الْعَذَابِ بِإِذْنِ اللهِ.



وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ "لَيَهْبِطَنَّ الْمَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا وَلَيَسْلُكَنَّ فَجًّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَلَيَأتِيَنَّ قَبْرِي حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَلأَرُدَّنَّ عَلَيْهِ" في هَذا الْحَدِيثِ وَالَّذي قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلى اسْتِحْبابِ زِيارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأنَّها قُرْبَةٌ إِلى اللهِ تعالى.



وَفي الْحَدِيثِ الثَّاني دَليلٌ على نُزُولِ عِيسى مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْقِيامَةِ وهَذَا النُّزُولُ مِنَ الْعَلامَاتِ الْكُبْرَى لِقِيامِ السَّاعَةِ وَعُرِفَ مِنَ الأَحَاديثِ الصَّحِيحَةِ وَمِنْ قَوْلِ اللهِ تعالى "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" قالَ ابنُ عَبَّاسٍ نُزُولُ الْمَسيحِ مِنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ. وَقَوْلُهُ "حَكَمًا مُقْسِطًا" فِيهِ أَنَّ عَيسى سَيَحْكُمُ في الأَرْضِ بِالْعَدْلِ. وَقَوْلُهُ "وَلَيَسْلُكَنَّ فَجًّا" أَيْ طَريقًا.



وَقَوْلُهُ "وَلَيْأتِيَنَّ قَبْري" فيهِ دَليلٌ على اسْتِحْبابِ قَصْدِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِزِيارَتِهِ والسَّلامِ عليهِ وَفي هَذَا رَدٌّ عَلى الْمَانِعينَ مِنَ السَّفَرِ بَقَصْدِ زِيارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ وَهُمْ بِذَلِكَ خَالَفُوا هَذَا الْحَديثَ والإجْمَاعَ، وَنُونُ التَّوْكِيدِ في قَوْلِهِ "وَلِيَأتِيَنَّ" فيها إِشَارَةٌ إِلى تَأكِيدِ قَصْدِهِ قَبْرَ النَّبِيِّ لِزِيَارَتِهِ وَالسَّلامِ عليهِ.



وَقَوْلُهُ "حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيّ" فيهِ دَليلٌ على اسْتِحْبَابِ السلامِ على النبِيِّ صلى الله عليه وسلم.



وَقْولُهُ "وَلأَرُدَّنَ عَلَيْهِ" فيهِ دَليلٌ على أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ في قَبْرِهِ يَسْمَعُ سَلامَ الْمُسَلِّمينَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِإذْنِ الله، وفي ذَلِكَ رَدٌّ مُفْحِمٌ للْجُفاةِ المَانِعِينَ للتَّوَسُلِ الَّذِينَ أَشَارَ بَعْضُهُمْ بِيَدِهِ إلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقَالَ ما هُنَا إلا جِيفَةٌ وَقَالَ ءاَخَرُ مَاذَا تَفْعَلُ بِهَذَا الْعَظْمِ الرَّمِيمِ، وَهَذا الْقَوْلُ الْقَبِيحُ في حَقِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُعْتَبَرُ سَبًّا مُخْرِجًا مِنَ الْمِلَّةِ، قَالَ تعالى "مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَملائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرينَ".



وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَوْدَ أَرْواحِ الأنْبِياءِ إِلى أَجْسَادِهِم في قُبُورِهِمْ وَأَنَّ لَهُمْ حَياةً بَرْزَخِيَّةً مُتَمِيِّزَةً عَنْ سَائِرِ النَّاسِ مَا رَواهُ الْحافِظُ الْبَزَّارُ والْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ "الأَنْبِياءُ أَحياءٌ في قُبُورِهِم يُصَلُّونَ" وَصلاتُهُم هَذِهِ لَيْسَتِ الصَّلاةَ التَّكْليفِيَّةَ الَّتي يُصَلِّيها الإنْسَانُ قَبْلَ مَوْتِهِ إِنَّما هِيَ صَلاةٌ يَتَلَذَّذُونَ بِهَا، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم "حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكُمْ وَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا وَجَدْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ وَمَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ"رواه الحافظ البزّار،

فَفِي قَوْلِهِ "حَيَاتي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتي خَيْرٌ لَكُمْ" دَليلٌ على أَنَّ النَّبِيَّ يَنْفَعُ في حَياتِهِ وبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَقَوْلُهُ "تَحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ" مَعْنَاهُ تَعْمَلُونَ أَشْياءَ فَيَنْزِلُ الْحُكْمُ بِهَا، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجَوازُ أَوِ الْحُرْمَةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ،

وَقَوْلُهُ "وَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ" فيهِ تأَكيدُ حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قَبْرِهِ، وَقَوْلُهُ "وَمَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرْتُ لَكُم" فيهِ دَليلٌ عَلى نَفْعِ النَّبِيِّ أُمَّتَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِإِذْنِ اللهِ وَفيهِ الرَّدُّ على نُفَاةِ التَّوَسُّلِ الْقائِلينَ إِنَّ الإنْسَانَ لا يَنْفَعُ بَعْدَ مَوْتِهِ ولَوْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ وَلِيًّا.



وَقَدْ ثَبَتَ في الْحَديثِ الَّذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ في لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ لَمَّا أَخْبَرَ مُوسى بِأَنَّ اللهَ تعالى افْتَرَضَ على أُمَّتِهِ خَمْسِينَ صلاةً في أَوَّلِ الأَمْرِ قَالَ لَهُ مُوسى "اسألْ رَبَّكَ التَّخْفيفَ" فَخُفِّفَ عَنْهُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَمَا زَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلمَ يَذْهَبُ إِلى الْمَكانِ الَّذي يَتَلَقَّى فيهِ الوَحْيَ وَيَرْجِعُ إلى مُوسى فَيَقولُ لهُ "اسألْ رَبَّكَ التَّخْفِيفَ" حَتَّى بَقِيَتْ خَمْسُ صَلَوَاتٍ ثَوَابُهَا بِخَمْسِينَ صَلاةً، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ مُوسَى عليه السلامُ كَانَ نَفْعًا عَظِيمًا لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفاتِهِ.


مواضيع ذات صلة

<<< الدرس المقبل

الدرس السابق >>>