الصفحة الرئيسية ||فهرس كتاب عمرو خالد في ميزان الشريعة || فهرس الكتب

الرد على ناصر الالباني

                                                                                                                                                                                          
 

الفصل السابع يدعي الألباني أنه لا يجوز الزيادة في التلبية على تلبية رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم(1). ‏


ومن بدع هذا الألباني التي شوش بها على المسلمين حكمه على أفعال أحدثها العلماء ‏الأخيار من السلف والخلف, وهي موافقة لكتاب الله وسنة رسوله غير مخالفة وهي ‏داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم:{ من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر ‏من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة ‏فعليه وزرها ووزر من عمِل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}, رواه ‏مسلم (2), وللحديث الصحيح الموقوف وهو قول عبد الله بن مسعود:{ ما رءاه المسلمون ‏حسنا فهو عند الله حسن, وما رءاه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح}. حسنه ‏الحافظ ابن حجر في الأمالي (3) وذلك مثل عمل المولد في شهر ربيع الأول, واستعمال ‏السبحة للذكر, والطرق التي أحدثها العلماء الأولياء الأبرار كالطريقة ‏القادرية والطريقة الرفاعية, وصيغة التلبية التي أحدثها عمر رضي الله عنه, ‏كانت تلبية رسول الله:{ لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد ‏والنعمة لك والملك, لا شريك لك}, فأحدث عمر:{ لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك ‏والخيرُ في يديك, لبيك والرغباءُ إليك والعمل}, وزاد ابن عمر في التشهد:{ وحده لا ‏شريك له}, قال:{ أنا زدتها}. ‏

أما تلبية عمر التي زادها على تلبية الرسول فقد رواه مسلم (4), أما زيادة ابن ‏عمر في تشهد الصلاة:{ وحده لا شريك له}, فأخرجها أبو داود (5). ‏

وكذلك أحدث السلف من التابعين التعريف أي الاجتماع يوم عرَفة للذكر والدعاء ‏تشبها بالحجاج الذين يذكرون ويدعون الله في عرفات ومنهم الحسن البصري رضي الله ‏عنه رواه جمع من علماء الحفاظ منهم النووي. ‏

وأحدث العلماء من السلف كتابة " صلى الله عليه وسلم" عند كتابة اسم محمد وكُتُب ‏الرسول التي أملاها على الصحابة التي كتبها إلى الملوك ليدعوهم إلى الإسلام كهرقل ‏خالية عن ذلك فلم يملِ الرسول عليهم إلا اسمه, ففي صحيح البخاري صورة كتابة ‏رسالته صلى الله عليه وسلم ولفظه:{ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ‏ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك ‏بدعاية الإسلام أسلم تسلم} الحديث (6), وهذه الكتابة سنة حسنة أحدثها العلماء مما ‏لم يفعله الرسول وقبلها أهل السنة وغيرهم حتى المشبهة جماعة الألباني في مؤلفاتهم ‏عند كتابة اسم الرسول يكتبون صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك ما ذكره المحدثون في ‏كتب اصطلاح الحديث أن يبدأ مجلس الحديث بقراءة شيء من القرءان والحمد لله والصلاة ‏والسلام على النبي ثم يقول المستملي للمملي:{ من ذكرتَ رحمك الله}, وهذا لم يكن في ‏عهد الرسول ولا فيما بعده إلى زمان طويل, فالعجب, من هذا الرجل وجماعته ‏الوهابية حيث ينكرون بعض ما أحدثه علماء الإسلام مما ذكرنا ونحوه محتجين بأن ‏الرسول لم يفعله وهم موافقون في بعض ذلك, بل يفعلونه ويحرمون على الناس بعضا ‏تحكما بلا دليل, فإن كان عندهم كل ما لم يفعله الرسول ولا رغب في فعله حراما ‏فليحرموا هذا أي كتابة صلى الله عليه وسلم عقب كتابة اسم محمد , وليحرموا ‏أيضا تلبية عمر التي لم ينكرها عليه أحد من الصحابة وغيرهم, وليحرموا على عبد ‏الله بن عمر قوله:{ وأنا زدتها}, أي كلمة " وحده لا شريك له", وليحرموا على ‏المحدثين ما استحسنوه لمجلس إملاء الحديث ما سبق ذكره آنفا. ‏

ومن قبيل ما ذكر مما يحرمونه على المسلمين بدعوى أن الرسول لم يفعله الجهر ‏بالصلاة على النبي عقب الأذان مع أنه لا يخالف الشرع وإن لم ينقل عن مؤذني ‏الرسول أنهم كانوا يجهرون بذلك فأي بأس في الجهر بالصلاة عليه عقب الأذان بعد ‏قوله عليه الصلاة والسلام:{ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ} ‏رواه مسلم (7), وقوله عليه السلام:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ}, رواه الحافظ ‏السخاوي وحسن اسناده (8), فقوله:{ من ذكرت عنده فليصل عليّ} يشمل المؤذن وغيره من ‏كل ذاكر اسم الرسول ، مطلوب من الكل الصلاة عليه إما سرا وإما جهرا لأن ‏قوله:{ فليصل عليّ}, مطلق يشمل الصلاة عليه سرا والصلاة عليه جهرا. فعند فرقة ‏هذا الرجل الوهابية حرام حتى غلا بعضهم في ذلك فقال في الذي صلى على النبي عقب ‏الأذان جهرا:{ هذا مثل الذي ينكح أمه}. – والعياذ بالله -. ‏

و نقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان رحمه الله عن زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب أنه أتي برجل ‏مؤذن أعمى صلى على النبي عقب الأذان جهرًا فأمر بقتله فقتل و هذه الحادثة التي قال فيها الوهابية ‏للذي صلى على النبي جهرًا عقب الأذان هذا مثل الذي ينكح أمه يعرفها الرجال الكبار من محلة أهل ‏جامع الدقاق بدمشق من محلة الميدان، فما دعوى هؤلاء الفرقة الإسلام و هم ساووا بين من يصلي على ‏النبي جهرًا عقب الأذان و بين الزنى بالأم؟!.‏

هذا و قد جرى عمل السلف و الخلف من أهل السنة على التبرك بقبور الأنبياء و الصالحين و كان ذلك ‏عادة الفقهاء و الحفاظ و المحدثين و الزهاد، و تشهد بذلك كتب التواريخ و طبقات الفقهاء و طبقات ‏المحدثين و طبقات الصوفية الزهاد، و من طالع طبقات الحفاظ يجد الكثير الكثير من ذلك و أقدمُ السلف ‏في ذلك الصحابي أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقد ثبت أنه وضع وجهه على قبر الرسول رواه ‏الحاكم و صححه ووافقه الذهبي.‏

تنبيه: قد يقول بعض هؤلاء أن حديث مسلم:" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من ‏عمل بها بعده" خاص بإحياء سنة فعلها الرسول لأن سبب الحديث أن أناسًا مجتابي النّمار من شدة ‏البؤس فرقوا أوساط نمارهم فأدخلوها على رءوسهم فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأمر ‏الرسول بالتصدق فجمع لهم فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا الحديث، فلا تدخل تحته ‏هذه الأشياء من عمل المولد و الطريقة و أشباهها. فيقال لهم: دعواكم هذه باطلة مخالفة للقاعدة ‏الأصولية:" العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" فلو كان الأمر كما تقولون لانسد باب القياس، لأن ‏القياس إلحاق ما لم ينص عليه بما نص عليه لشبه بينهما و على هذا يدور عمل الأئمة المجتهدين.‏

ألست يا ألباني تقول في من عمل المولد: (و طرق أهل الله من قادرية و رفاعية و غيرهما و جهر المؤذن ‏بالصلاة على النبي عقب الأذان إنها بدعة ضلالة) و تحتج في ذلك بالحديث المشهور:" و إياكم و ‏محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود (9) و تنكر عموم حديث:" ‏من سنة في الإسلام سنة حسنة" و تقول إن هذا الحديث مخصوص بإحياء ما فعله الرسول و تنكر ‏عمومه

‏ لكل ما أحدث من غير أن يكون مخالفًا للكتاب و السنة، و تدعي بلسان حالك أنك محدث العصر و ‏أنت في الحقيقة ضدهم تنقض ما صححوه و تصحح ما ضعفوه، و قد كفرت في فتاويك من يأول قوله ‏تعالى:{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (88)}: " إلا ملكه"، و قد علمت أن البخاري قال ذلك و هو ‏موجود في كل نسخة فلما قلت في فتاويك:" لا يقول ذلك مؤمن" كفرت البخاري، و لن تجد أنت ‏نسخة من البخاري ليس فيها ذلك. فقولك:" لا يقول هذا البخاري" حيلة أردت أن تدفع بها ظاهرًا أن ‏يثور الناس عليك لو قلت " البخاري قال هذا فهو كافر" و لن تستطيع أن تأتي بنسخة من البخاري تخلو ‏عن هذا التأويل، إنما أردت أن تدافع عن عقيدتك عقيدة التجسيم إثبات الجسمية و ما يتبعها لله تعالى و ‏هذه العقيدة يهدمها قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)}. ‏


-------------------------------------

‏(1)- فتاوى الألباني (ص/318).‏
‏(2)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب الحث على الصدقة.‏
‏(3)- موافقة الخبر الخبر (2/435).‏
‏(4)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب التلبية و صفتها و وقتها.‏
‏(5)- سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب التشهد.‏
‏(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي: باب كيف كان بدء الوحي.‏
‏(7)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الصلاة: باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم ‏يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم.‏
‏(8)- انظر القول البديع (ص/ 103).‏
‏(9)- سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في لزوم السنة.‏

« الموضوع السابق

الموضوع التالى »