الصفحة الرئيسية ||فهرس كتاب عمرو خالد في ميزان الشريعة || فهرس الكتب

الرد على ناصر الالباني

                                                                                                                                                                                          
 

الفصل السادس بيان شذوذ الألباني في مسألة التوسل والاستغاثة ‏


زادت جرأة الألباني وتطاوله على الحق وأهله حين حرّم(1) التوسل بذات النبي صلى ‏الله عليه وسلم وجعل الاستغاثة بغير الله شركا. ‏

‏ الرد: روى البخاري(2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ إن الشمس ‏تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم ‏بموسى ثم بمحمد}, والتوسل والاستغاثة بمعنى واحد كما قال الحافظ اللغوي تقي الدين ‏السبكي الذي قال فيه السيوطي إنه حافظ مجتهد لغوي فقيه أصولي نحوي متكلم. ‏

‏ ومما يدل على ذلك أن حديث الشفاعة روي بلفظين, رواه البخاري عن ابن عمر ‏بهذا اللفظ, ورواه أيضا عن أنس بلفظ الاستشفاع ونصه:{ فاشفع لنا عند ربنا}, ‏فهاتان الروايتان يؤخذ منهما أن الاستغاثة توسل والتوسل استغاثة. ‏

‏ ومن أدلة أهل السنة على جواز الاستغاثة ما رواه البخاري في الأدب ‏المفرد(3) عن ابن عمر أنه قال: يا محمد, وذلك عندما خدرت رجله, ولم ينكر ‏عليه أحد من الصحابة, وكلامه هذا استغاثة ويقال عنه توسل أيضا. ‏

‏ ومن أدلة التوسل ما رواه الحافظ الطبراني(4) عن عثمان بن حنَيف أن رجلا ‏كان يختلف إلى عثمان بن عفان فكان عثمان لا يلتَفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ‏عثمان بن حُنَيْف فشكى اليه ذلك فقال: ائت الميضأةَ فَتَوضأ ثم صل ركعتين ثم قل:{ ‏اللهم إني أسألك وأتَوجّه إليك بنبِيّنا محمد نبيّ الرحمة، يا محمّدُ إني أتَوجهُ بكَ إلى ‏ربّي في حاجتي لتُقضَى لي}، ثم رح حتى أرُوحَ معك. ‏

فانطلق الرجل ففعل ما قال، ثم أتَى باب عثمان, فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله ‏على عثمان بن عفان فأجلسه على طنفسته فقال: ما حاجتك؟ فذكر له حاجته، فقضى ‏له حاجتَه وقال: ما ذكرت حاجتَك حتى كانَت هذه الساعة، ثم خرج من عنده فلقي ‏عثمان بن حنيف فقال: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى ‏كلمته فيَّ، فقال عثْمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم وقد أتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره، فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت ‏صبرتَ وإن شئت دعوت لك، قال: يا رسول الله إنه شق عليّ ذهاب بصري وإنه ليس لي ‏قائد فقال له:{ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضأ وصل ركعتين ثم قلْ هؤلاءِ الكَلمات}، ففعلَ الرجل ‏ما قال، فوَالله مَا تفرقنا ولا طال بِنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقَد أبصر كأنه ‏لم يكن به ضرّ قط. قال الطبراني(5): والحديث صحيح. ففي هذا الحديث الصحيح دليل ‏على جواز التوسل بالنبي في حياته بغير حضوره وبعد وفاته. ‏

‏ ومن أدلة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الحافظ ‏البيهقي(6)أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال:{ أصاب ‏الناس قحط في زمان عمر, فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{ يا ‏رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام – أي رأى النبي صلى ‏الله عليه وسلم في المنام - فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: ‏عليك الكيس الكيس, فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال:{ يا رب ما ءالوا ‏إلا ما عجزت} اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي, فهذا الصحابي ‏قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره. ‏

‏ وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(7) ما نصه:{ وروى ابن شيبة بإسناد ‏صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن ‏عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك ‏فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر... الحديث. وقد روى ‏سيف الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث المزني أحد ‏الصحابة}.اهـ.‏


ولما لم يستطع الألباني أن يثبت ضعف هذا الأثر عمد إلى الافتراء على الحافظ ابن ‏حجر بأنه ضعفه(8) مع أن الحافظ صرّح بصحة سنده كما نقلنا عنه من كتابه "فتح ‏الباري", وهذا دليل أيضا على أن الألباني لا يوثق بنقله ولا برأيه الذي يحرّف ‏الحقائق والوقائع نصرة لرأيه. ‏

‏ ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته شرك وكفر عند هذا الرجل أي ناصر الدين ‏الألباني فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أوقعه في التجسيم وتوابعه في ‏قوله في كتابه الذي سماه "الكلم الطيب", أي أن كل ما فيه شئ حسن أن عبد الله ‏بن عمر رضي الله عنه خدرت رجله – أي أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرِّجل ‏وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال: يا محمد, ‏فكأنما نشط من عقال. ‏

‏ وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها, ‏فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية حيث انه ‏استحسن هذا ومن استحسن الكفر فهو كافر ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر, فهل يكفر ‏ابن تيمية لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يُكفر المستغيثين بالرسول بعد وفاته ‏على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفر ابن تيمية ‏لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا قيل له: إذن أنت تتحكم تطبق على الناس ما لا تطبقه ‏على زعيمك فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدّلوا حكم التوراة في الرجل ‏الزاني المحصن كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء ولا يرجمونه إن كان ‏من أشرافهم. وقد اعترفت يا ألباني بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما ‏عرف الناس سواك لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد من مؤلفاته, فأين المهرب؟! ‏

‏ ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب(8) بسنده إلى عبد الواحد بن ‏ءادم يقول:{ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو ‏واقف في موضع, فسلمت عليه فرد على السلام, فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ ‏قال: أنتظر محمد بن إسماعيل – إلى آخر ما تقدم – وقال القسطلاني: لما ظهر أمره ‏بعد وفاته, خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة, وقال أبو علي ‏الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي, قدم علينا "بلنسية" عام ‏أربعة وستين وأربعمائة, قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام, ‏فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا, فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند ‏وقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك, قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج ‏الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا, فقال ‏القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند ‏القبر وتشفعوا بصاحبه, فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير, أدام الناس من ‏أجله بخرتنك سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر ‏وغزارته}. اهـ. – لامع الدراري (1/44) -‏

وقد حصل لشخص من أهل السنة الطيبين أنه ذهب إلى رأس من رؤوس الوهابية في ‏الأردن لمناقشته في مسألة التوسل والاستغاثة, قال: فتكلمت معه في موضوعه التوسل ‏أولا وأعطيته حديث الطبراني فقال لي: إنه يُجيز التوسل بالنبي في حال حياته, ‏فقلت له: حديث الطبراني فيه جواز التوسل بالنبي في حال حياته وبعد مماته, ‏وكذلك حديث بلال بن الحارث المزني الذي ذهب إلى قبر النبي وتوسل به بعد موته, ‏فقال لي: هذا الحديث ضعيف, فقلت له رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ‏ابن حجر في الفتح وكذلك صححه ابن كثير, فقال لي: ابن حجر يقول رواه البيهقي ‏بسند صحيح إلى مالك الدار أي أن الحديث صحيح إلى مالك الدار, ومالك الدار هذا ‏مجهول, فلا حجة في الحديث, فقلت له: عمر يولي على خزائن المسلمين على بيت مال ‏المسلمين رجلا مجهولا ليس معروفا أم ثقة, فسكت. ثم رجع فقال: أنا التوسل أقول إن ‏فيه خلافا فلا أعترض على من يتوسل أما الاستغاثة بغير الله هي المحرّمة ولا يجوز لمخلوق ‏أن يستغيث بمخلوق ءاخر, فقلت له: ماذا تقول في الحديث الذي رواه البخاري من ‏طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ إن الشمس تدنو يوم ‏القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم}, فقال لي: ‏هذا في حال حياتهم يجوز أن تستغيث بهم أما بعد مماتهم لا يجوز. ‏

فقلت له: إذا أنت تُقرُّ بجواز الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم فقال لي: نعم, ‏فقلت له: ما المانع عقلا أو شرعا من الاستغاثة بهم بعد مماتهم, فقال لي: حديث أحمد ‏الذي رواه في مسنده والذي أقوم بتحقيقه ولم تر الأسواق مثله, ثم قال لي: الحديث ‏هو أن الرسول قال:{ إنه لا يُستغاث بي, إنما يُستغاث بالله}, فقلت له أنت شهدت ‏على نفسك الآن بالتناقض, فقد قلت لي لما ذكرت لك حديث ابن عمر إن الاستغاثة ‏بالأنبياء في حال حياتهم جائزة فكيف تُورِد حديثا أن النبي في حال حياته قال إنه ‏لا يُستغاث بي, فقال لي: هذا الحديث ضعيف لا حُجة فيه!!! ثم قال لي: أعطني واحدا من ‏الأئمة الأربعة ذهب إلى قبرٍ أو ولي تبرك أو استغاث به, فقلت له: روى الخطيب ‏البغدادي بإسناد صحيح في تاريخ بغداد – (9) – أن الشافعي قال: إني لأتبرك ‏بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين ‏وأتيت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى, فقال لي: هذا ليس ‏صحيحا وصار يصرخ ويقول: من أين أتيت بهذا, فكان الكتاب كتاب تاريخ بغداد ‏خلف ظهره, فقلتُ له: أعطني الكتاب ففتحت له الكتاب حيث الرواية فلما رأى ذلك ‏بعينه عجب وقال لشخص عنده: اذهب وخرّج لي رواه هذا الحديث, وهذا يعني أن يُجرئ ‏الذين عنده على التصحيح والتضعيف, فذهب هذا ورجع فسمعته يقول له بصوت ‏منخفض: كل رواة الحديث ثقات, فقلت له فورا: ماذا وجدت في رواة هذا الحديث, ‏فقال: كل رواته ثقات إلا راوٍ لم أجد له عندي ترجمة, فقال الوهابي: إذا هذا ‏الحديث ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول, فقلت له: كيف تحكم بضعف هذه الرواية لأنك لم تجد ‏ترجمة لراوٍ عندك والقاعدة تقول " عدم الوجدان ليس دليل العدم", فقال لي: ما ‏معنى هذه القاعدة, فقلت له: إذا لم تجد ترجمة لراوٍ عندك فليس المعنى أنه مجهول ‏ضعيف فقال لي: إذا أتيتني بترجمة هذا الراوي أنا أبصم لك بالعشرة, ثم قال لي: ‏أنا مشغول الآن, وسألني عن اسمي, فقلت له اسمي ‏

----------------------------------------------------------------------------------

‏(1)- انظر كتابه المسمى "التوسل" (ص/70 و 74).‏
‏(2)- المصدر السابق (ص/25).‏
‏(3)- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة: باب من سأل الناس تكثُّرًا.‏
‏(4)- الأدب المفرد (ص/207).‏
‏(5)- المعجم الكبير (9/17)، و المعجم الصغير (1/201-202).‏
‏(6)- فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495-496).‏
‏(7)- انظر كتابه المسمى " التوسل أنواعه و أحكامه" (ص/13).‏
‏(8)- لامع الدراري (1/44).‏
‏(9)- تاريخ بغداد (1/123).‏

« الموضوع السابق

الموضوع التالى »